أثارت دراسة فرنسية نشرت مؤخرا العديد من التساؤلات بخصوص الانعكاسات الصحية للنباتات المعدلة جينيا، مما استدعى السلطات الفرنسية إلى التفكير في حضر عملية استيراد الذرة المعدلة جنينا من الخارج، وهي الدراسة التي شدت الرأي العام الفرنسي والجزائري على الخصوص نظرا لكون الجزائر من بين أكبر الدول المستوردة للقمح بنوعيه "الصلب واللين"، إضافة إلى الذرة والصوجا، وهو ما جعلنا نقترب من وزارة الفلاحة والتنمية الريفية للتأكد من سلامة المنتجات الفلاحية المستوردة مع الاستماع لرأي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، البروفسور مصطفى خياطي، للحديث عن انعكاسات تناول منتجات معدلة جينيا على صحة الإنسان، غير أن التصريحات التي جمعناها تدور في محور واحد هو عدم وجود مخبر جزائري معتمد يمكنه تحديد هوية المنتجات التي تدخل التراب الوطني. أشارت المديرة الفرعية المكلفة بالبحث في وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، السيدة حمانة فريدة إلى أن الجزائر كانت السباقة لتجميد كل عمليات استيراد البذور والشتلات من الخارج بقرار وقع عليه وزير الفلاحة السابق سعيد بركات سنة 2000، وذلك على خلفية توصيات قمة قرطجنة، التي ناقش فيها المشاركون إشكالية النباتات المحورة وراثيا وانعكاساتها على صحة الإنسان، ونظرا لأننا لا نعرف انعكاسات المنتجات المحورة وراثيا على صحة المستهلك -تقول المسؤولة- فقد تقررت مطالبة كل المستوردين للبذور بإرفاق طلباتهم بشهادات صحية تثبت عدم تعرض البذور أو الشتلات للتعديل الجيني. وبخصوص المنتجات الفلاحية التي يتم تعديل جيناتها عبر أكبر المخابر العالمية، كشفت المديرة أن الأمر يتعلق ببعض المنتجات التي يريد العلماء إضافة بعض المواصفات الخاصة لها من خلال إدخال جينات جديدة على البذور، وذلك بغرض الحصول على شكل معين أو تغيير اللون وحتى المذاق، وهي التعديلات التي يريد من خلالها العلماء إضافة بعض المواصفات للتأقلم مع الظروف المناخية أو أن تكون لها جينات خاصة لمكافحة بعض الأمراض والحشرات الضارة، لكن لا أحد يمكن له الجزم اليوم أن لمثل هذه التعديلات انعكاسات على صحة المستهلك. أما بالنسبة لحالات استيراد المنتجات الفلاحية سواء تعلق الأمر بالبذور أو الشتلات، أكدت الباحثة أن التعليمات التي أبلغتها الوزارة للجان المراقبة التابعة لها عبر الحدود البرية أو البحرية تركز على تشديد الرقابة على كل أصناف المنتجات، مع الحرص على توفير شهادة صحية تثبت مصدر البضاعة، ومن جهة أخرى تسهر وزارة الفلاحة على تطوير عمل المخابر المنتمية لعدد من معاهد البحث التابعة لها، وذلك من خلال اعتماد برنامج بحث وإطلاق مجموعة من المشاريع لتطوير البحث البيولوجي، حيث يتم تكوين المخبريين والمهندسين في الزراعة من خلال اتفاقيات شراكة مع معاهد بحث أجنبية لتطوير العمل المخبري وتبادل المعارف والمعلومات، على أن يتم في المستقبل القريب التحكم في التكنولوجيات الحديثة للتأكد من سلامة الشهادات الصحية المقدمة من طرف المستوردين بعد معاينة عينات من المنتجات الفلاحية المستوردة لإعطاء الموافقة على تسويقها مستقبلا. وعن التعريف النهائي لعملية التحوير الوراثي أو كما يصطلح عليه "التعديل الجيني"، تقول السيدة حمانة إن الأمر يتعلق بإدخال جينات جديدة بطريقة "التقنيات الحيوية"، قد تكون جينات من نفس المنتوج أو من منتوج آخر بغرض تطوير الإنتاج وإعطائه موصفات جديدة قد تخص اللون وهو ما يتم اعتماده لتغيير ألوان الأزهار، أو النكهات عندما يتعلق الأمر بالفواكه والخضر والعمل المخبري الكبير يتم بغرض الرفع من مردود الإنتاج، وهي التقنيات المستخدمة بكثرة بعدة دول عالمية معروفة بتصدير كميات كبيرة من المنتجات الفلاحية على غرار القمح، الطماطم، البطاطا، الذرة والصوجا. الرهان هو حماية تنوع الأصناف لأنها ثروة يجب الحفاظ عليها وبالنسبة للرهان الذي رفعته وزارة الفلاحة منذ فترة، تقول المتحدثة إنه يتمثل أساسا في حماية مواردنا الطبيعية التي تتميز بالتنوع والنوعية الرفيعة، فالجزائر اليوم لا تبحث عن التنوع في الإنتاج الفلاحي، بل تبحث عن طريقة لحماية ما تمتلكه من "التلوث الجيني"، فمثلا بالنسبة لأشجار الزيتون لا يمكن أن تسمح الوزارة بإدخال جينات وراثية جديدة لأن الأمر سيشكل خطرا على الأصناف المحلية المعروفة بالنوعية الرفيعة، وهي التي تتأقلم طبيعيا مع طبيعة المناخ ومختلف أنواع الأمراض، التي تتم معالجتها بطريقة سليمة، والرهان اليوم هو حماية "الثروة الجزائرية لأنها كنز لا نريد اللعب به". وفي رد السيدة حمانة على ما يتم تسويقه في السوق الوطنية من منتجات قد تكون نتاجا لتعديل جيني، أشارت إلى أن بذور القمح المستغلة في حملات البذر من إنتاج محلي، وعليه فلا خوف على الإنتاج الوطني للقمح، أما فيما يخص عمليات استيراد بذور البطاطا والطماطم فإن الوزارة تحرص دوما على طلب الشهادات الصحية للمنتوج، غير أن العجز في مجال المراقبة البيولوجية في المخابر المعتمدة بالجزائر لا يساعد أعوان الرقابة على التأكد من سلامة الشهادات. وبغرض التأكد من سلامة المنتجات الغذائية المصنعة والمسوقة عبر المساحات التجارية، تقربنا من مدير المخابر وقمع الغش بوزارة التجارة، السيد عابد جمال، الذي أكد لنا بصريح العبارة أن أعوان الرقابة بالموانئ لا يمكنهم التأكد من سلامة المنتجات من التعديل الوراثي، حيث أن قانون التجارة الحالي لا يفرض بخصوص الوسم إعطاء إثبات يؤكد أن المنتوج طبيعي قائلا "ما عدا البيانات التي تخص المواصفات التقنية لا يحمل الوسم بيانات أخرى"، لذلك تعمل وزارة التجارة اليوم على فتح مخابر متخصصة للمراقبة عبر جميع ولايات الوطن، والأشغال اليوم جارية ب 20 مخبرا ستتسلمها الوزارة قبل نهاية 2013. مصالح التجارة لا تملك الإمكانيات لإثبات تعرض المنتجات لتعديل جيني وبخصوص استدراك الأمر، أشار المسؤول إلى اقتراح فتح مخابر قرب أكبر الموانئ على غرار الجزائر العاصمة، بجاية وعنابة وسيتم فتح مصلحة تخص التعديل الجيني بمخبر بجاية كتجربة في منتصف 2013، حيث سيتم تكوين عمال المخبر وتجهيزه بالتجهيزات التي ستسمح بتحديد المواصفات الدقيقة للمنتجات وإذا ما كانت نتاج تعديل جيني، ولذات الغرض تم إرسال فريق من المراقبين إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية للتدرب فيما يخص مراقبة بذور القمح، نظرا لكون الولاياتالمتحدة من أكبر الدول المصدرة للقمح والذرة وتستعمل التعديل الوراثي للرفع من قدرات الإنتاج، وهما المنتجان المستوردان بكميات كبيرة بالنسبة للجزائر. من جهتها، أكدت مصادر من وزارة الفلاحة أن تدشين وزير الفلاحة شهر أفريل 2011 لأول مخبر وطني لمراقبة بذور البطاطا والتصديق عليها من شأنه حل إشكالية المراقبة بخصوص البذور، خاصة وأن التقنيات الحديثة المستعملة تستغل كذلك بالنسبة لبذور القمح والذرة التي يتم استيرادها من الخارج، حيث لا تسمح لجان المراقبة الصحية عبر الموانئ بخروج الحاويات إلا بعد إصدار المخبر لترخيص وشهادة تثبت سلامة المنتوج. السرطان والأمراض الوراثية قد تكون نتيجة حتمية لاستهلاكها من جهته، دعا البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام" والمختص في طب الأطفال، إلى التعجيل بتوفير مخابر مراقبة عالية التكنولوجيا خلال السنوات الثلاث المقبلة قصد مراقبة المنتوجات المستوردة من الخارج، لاسيما الغذائية منها، بغرض تفادي الأخطار المحتملة الناجمة عن المنتوجات الفلاحية التي استخدمت فيها الكائنات المعدلة وراثيا، ويشير المتحدث إلى احتدام الجدل في الآونة الأخيرة حول التأثيرات والانعكاسات المحتملة لاستخدام الكائنات المعدلة وراثيا على صحة الإنسان، حيث ينقسم العلماء لفريقين يرى الأول أنه لا خطر في ذلك، إلا أن الرأي الجامع بخصوص هذا الموضوع هو استحالة القيام بأي استنتاج في الوقت الحالي في غياب الأدلة الدامغة المؤكدة بخطورة استعمال هذه الكائنات المعدلة في إنتاج مختلف النباتات وعلى رأسها القمح، الخضر والفواكه. ويرى البروفيسور مصطفى خياطي أن العالم في حاجة إلى 30 سنة على الأقل لإيجاد الجواب والاستنتاج النهائي للمسألة، موضحا أن هناك عملا كبيرا ينتظر العلماء والمختصين في هذا المجال من دراسات وتحاليل وخبرة، الأمر الذي يستوجب على الجزائر على غرار باقي دول العالم التعجيل بالعمل من أجل حماية صحة المستهلكين من هذه المنتجات التي تشكل لا محال مخاطر على الإنسان، وحذر خياطي المستهلك -في هذا المجال- داعيا إياه لتوخي الحيطة والحذر مما يتغذى به وذلك بتجنبه قدر المستطاع المنتجات الغذائية المستوردة مجهولة المصدر والمكونات وذلك حتى ولو كانت مرخصة في انتظار أن تتوفر في الجزائر الوسائل اللازمة للمراقبة والكشف الدقيق. ويؤكد البروفيسور خياطي أن إشكالية استخدام المنتجات المعدلة وراثيا في الزراعة غير مطروحة في الجزائر كون القانون يمنع ذلك، إلا أن المشكل يكمن في مراقبة ما يأتي من الخارج من سلع ومنتجات نهائية موجهة للاستهلاك كالقمح والبقوليات والذرة والصوجا المستعملة في تغذية الدواجن، موضحا أن المخابر المتوفرة حاليا ببلادنا لا يمكنها ضمان الرقابة في مجال استعمال التعديل الوراثي، مما يستدعي الاستثمار في هذا المجال، ويقترح المتحدث إقامة شراكة بين المخابر والجامعات لتوحيد الجهود والكفاءات لمواجهة أي خطر قد تحمله المنتجات الغذائية المستوردة على صحة المستهلك. السكري والضغط الدموي من الأمراض الأكثر استفحالا لدى الجزائريين ولم يخف البروفيسور خياطي قلقه إزاء استفحال بعض الأمراض، لا سيما السرطان والسكري والأمراض الاستقلالية وغيرها والتي قال إن انتشارها السريع والواسع يطرح أكثر من تساؤل حول الأسباب والعوامل المتسببة في ذلك، مؤكدا -في السياق- أن الأمراض الأكثر ارتباطا بالمنتجات المعدلة جينيا -إذا ما تم التأكد من خطورة هذه الأخيرة على الإنسان بصفة نهائية- هي مرض السرطان الذي اعتبره نتيجة حتمية لذلك، علما أن هذا المرض تزايد عبر العالم إضافة إلى الأمراض الوراثية كالتشوهات الخلقية والعاهات والتشوه عند الولادات، فضلا عن الأمراض الاستقلالية. فيما تعتبر الأمراض الأكثر شيوعا لدى الجزائريين خارج هذه الإشكالية المطروحة هي كل من السكري الذي يصيب شخصا من اثنين والضغط الدموي بشخص من ثلاثة والأمراض السيكولوجية والعقلية بشخص واحد من بين أربعة أشخاص.