انتقلت عدوى المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن من مدينة سليانة (جنوب غرب تونس) إلى مدن أخرى ضمن مؤشر لإمكانية انزلاق الوضع إلى ما هو أسوء في بلد لم يعرف طعما للاستقرار حتى بعد مرور عامين من أول انتفاضة شعبية يشهدها العالم العربي وانتهت بالإطاحة بنظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. واندلعت مواجهات عنيفة ليلة السبت إلى الأحد بين متظاهرين خرجوا لتأييد سكان مدينة سليانة المضطربة وقوات الأمن في كل من مدينتي الكاف (جنوب غرب البلاد) وسبيتلة (وسط غرب البلاد) الواقعتين بمنطقة القصرين، التي سبق وأن كانت مسرحا لمواجهات مماثلة. واندلعت هذه المواجهات غداة يوم عنيف عاشه سكان مدينة سليانة، الذين انتفضوا ضد حاكم الولاية المحسوب على حركة النهضة الإسلامية الحاكمة وطالبوا برحيله، لكن انتفاضتهم قوبلت برد عنيف من قبل قوات الأمن، التي لجأت إلى قمع المحتجين واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع وحتى إطلاق الرصاص الحي في الهواء مما تسبب في إصابة ما لا يقل عن 300 شخص منذ اندلاع المظاهرات الثلاثاء الماضي. وهو ما اضطر قوات الجيش للتدخل في محاولة لتهدئة الوضع والفصل بين الطرفين المتنازعين، لكنها سرعان ما انسحبت من المدينة بطلب من قوات الشرطة. وقال مصدر أمني رفض الكشف عن هويته أن الجيش اقترح المجيء إلى المدينة لبضعة أيام من أجل ضمان الأمن، لكن وزارة الداخلية رفضت ذلك دون أن يكشف عن الأسباب التي دفعت بالسلطات التونسية إلى منع تدخل الجيش، رغم أن سكان المدينة المنتفضة رحبوا بقدوم قواته ورأوا فيها ضمانا لأمنهم خلال المظاهرات. ويصر سكان سليانة على ضرورة رحيل والي الولاية، إضافة إلى مطالب أخرى بتنمية منطقتهم التي توجد في العمق التونسي والتي تعد من أهم بؤر التوتر في هذا البلد بسبب انعدام مشاريع التمنية بها، مما انعكس ذلك سلبا على معيشة السكان. ومع اتساع رقعة الاحتجاجات، تزداد متاعب حكومة الإسلامي حمادي الجبالي، الذي وجد نفسه في قلب إعصار من الاحتجاجات الشعبية من جهة ومعارضة سياسية تطالبه بالرحيل وكامل حكومته من جهة ثانية. فحتى الرئيس التونسي منصف المرزوقي، الذي يشارك حزبه في الائتلاف الثلاثي الحاكم ضم صوته إلى أولئك المطالبين باستقالة الحكومة بعدما دعا إلى تشكيل حكومة جديدة مصغرة غير حزبية من أجل إعادة الاستقرار إلى البلاد بعدما فشلت الحكومة الحالية في الاستجابة لتطلعات الشارع التونسي. وجاءت دعوة الرئيس المرزوقي خلال خطاب وجهه للأمة مساء أول أمس في خضم الاحتجاجات التي تعصف بمدينة سليانة ومدن أخرى شدد من خلاله -أيضا- على ضرورة إجراء انتخابات عامة قبل صيف 2013. تصريحات لم ترق للحكومة، التي سارعت إلى وصفها بالخطيرة، حيث قال سمير ديلو، المتحدث باسمها ووزير حقوق الإنسان، إن "خطاب الرئيس يتضمن العديد من النقاط الهامة والخطيرة التي ستتم مناقشتها على مستوى الحكومة خلال الساعات القادمة". والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف ستتعامل حكومة الجبالي مع هذه المطالب التي كانت في بادئ الأمر اجتماعية واقتصادية لكنها بدأت تأخذ طابعا سياسيا بتعالي الأصوات المطالبة برحيلها؟