نوّه مجاهدون وقدماء جيش التحرير الوطني بخصال ومناقب الفقيد المجاهد العقيد محند أمزيان اعزورن، قائد الولاية الثالثة التاريخية، معترفين بما قدمه من جهود جبارة من أجل الاعداد لتفجير الثورة المسلحة ضد المستعمر الفرنسي لاسيما تخطيطه الدقيق لتنفيذ العمليات العسكرية ولعل أبرزها عملية الطائر الأزرق سنة 1955. ففي ندوة تاريخية نظمتها جمعية ”مشعل الشهيد”، أمس، بمنتدى المجاهد بالعاصمة بمناسبة الذكرى ال25 لرحيل المجاهد اعزورن، بحضور أعضاء الأسرة الثورية وقدماء أعضاء جبهة وجيش التحرير الوطني وأساتذة، ثمن المتدخلون المشوار التاريخي للرجل الحافل بالبطولات وحنكته الكبيرة التي مكّنته من تجسيد هذه العملية بكل نجاح رغم المقاومة الشرسة من طرف السلطات الاستعمارية آنذاك. وفي هذا الاطار، تطرق المجاهد محمد الصالح الصديق رفيق درب الفقيد في تدخله إلى أهم المحطات التاريخية والنضالية في مسيرة المجاهد أمزيان اعزورن من خلال إشرافه على اندلاع ثورة نوفمبر في المناطق الممتدة من عزازقة بتيزي وزو إلى غاية أزفون وافليسن ببلدية تقزيرت، مستعرضا العمليات التي شارك فيها كإحراق مستودع للفلين وقصف مركز للدرك الفرنسي، إلى جانب إرساله لعدد من المناضلين إلى الولاية الرابعة التاريخية بطلب من أحد مسؤوليها (عمر أوعمران) لمساعدتها في تفجير الثورة المسلحة في منطقة البليدة. وأكد المتحدث أن الفقيد اعزورن تمكن بمشاركة رفاقه في الكفاح المسلح من تحقيق تقدم كبير للثورة رغم قلة السلاح والذخيرة خاصة في السنوات الأولى من تفجير الثورة، موضحا أن هذا الوضع دفعهم إلى اعتماد نصب الكمائن والاستيلاء على الأسلحة وإلحاق خسائر جسيمة بالعدو كان أبرزها قتل عدد معتبر من الجنود الفرنسيين والاستحواذ على 21 بندقية آلية في كمين نصب للعدو الفرنسي ببلدة فريحة. كما توقف المتحدث عند العملية التي أشرف عليها الفقيد والمعروفة ب«الطائر الأزرق” في عهدي ”جاك سوستيل” و«روبير لاوكوست” (1955-1956)، حيث قال إن هذه العملية التاريخية ”أفشلت كل خطط المخابرات الفرنسية لضرب الثورة من الداخل من خلال تشكيلها لقوة محلية جزائرية تخدم فرنسا..” وأوضح في هذا السياق، أن فطنة وحنكة قيادة الثورة حالت دون تحقيق فرنسا لأهدافها المسطرة من وراء هذه العملية ومقابل ذلك سمحت لجيش التحرير بتحقيق نصر كبير في استرجاع السلاح والأموال. مضيفا أن العملية نفذت في نطاق جغرافي ضيق نسبيا لاعتبارات أمنية شمل كلا من بلدية أزفون المختلطة وتيقزيرت بصفة خاصة وعرازقة وناحية تيزي وزو وبرج منايل بصفة عامة. وسرد المجاهد تفاصيل هذه العملية التي استغلتها فرنسا لتسليح ما يقارب 300 عنصر كمرتزقة لخدمة فرنسا إلا أنهم في الواقع كانوا مجاهدين يشرفون على تسليم الفرنسيين جثث الخونة على أساس أنها جثامين المجاهدين الذين قضوا عليهم. في سنة 1956 يقول المتحدث اكتشفت فرنسا هذه الخدعة وأرادت الانتقام فسارعت يوم 7 أكتوبر 1956 إلى تجنيد 25 ألف عسكري لمحاصرة المواقع الجبلية بالمنطقة المسماة ”أقني أوزيظوظ” أين جرت معركة شرسة بين المجاهدين والقوات الفرنسية استمرت أسبوعا كاملا، استشهد فيها حوالي 100 مجاهد مع تسجيل خسائر فادحة في صفوف العدو. من جهته، أكد المجاهد قدور بن ساسي أن المجاهد اعزورن استطاع قلب موازين القوى في تلك الفترة لصالح الثورة التي كانت تعاني نقصا فادحا في التمويل والسلاح، وهو ما جعل السلطات الاستعمارية تحسب له ألف حساب. كما تم في الأخير تكريم المجاهد محمد الصالح الصديق صاحب كتاب ”العصفور الأزرق”، و«رحلة في أعماق الثورة مع العقيد اعزورن”، نظير الجهود التي يبذلها في كتابة التاريخ. وفي الأخير، قدّم مجاهدون وبعض رفاق الفقيد شهادات حية عن البطولات الخالدة التي صنعها هذا الأخير في سبيل الكفاح من أجل الحرية والاستقلال. ويذكر أن المجاهد العقيد محند أمزيان اعزورن المدعو محمد بريروش وعرف باسمه الثوري سي السعيد من مواليد 18 مارس 1912 بقرية اعجماض بلدية تميزار ولاية تيزي وزو انضم إلى حزب الشعب مطلع الأربعينيات من القرن الماضي وأسندت له مسؤولية المناطق المدرجة ضمن بلدية أزفون المختلطة وصار عضوا فاعلا في حركة انتصار الحريات الديمقراطية المنبثقة عن مؤتمر 1947، وبالنظر لشجاعته ونجاحه الكبير في تنظيم الثورة رقي إلى رتبة رقيب سنة 1956 ثم رائدا في 1957 وتحصل على رتبة عقيد في نوفمبر 1959 بتونس، وانتقل الرجل إلى جوار ربه يوم 5 جانفي 1988.