تمر اليوم 58 سنة على اندلاع الثورة التحريرية المجيدة، 1 نوفمبر تاريخ أبرزت فيه الجزائر للعالم قوة شعب أبى أن يعيش مذلولا، ليقرر خوض حرب قلبت موازين وأحلام فرنسا الغاشمة.وقد استيقظ هذا الشعب الذي كان عبارة عن بركان نائم وأظهر للعدو والعالم كل قوته وصموده بفضل حب الوطن والوحدة، وعزمه على رفع الغبن والذل عنه ونيل الحرية التي كان ثمنها غاليا جدا. بحلول تاريخ أول نوفمبر مع كل سنة، تتوغل “المساء” في عمق منطقة القبائل “الولاية الثالثة التاريخية” لنقل ما عاشه المجاهدون إبان الثورة، وبمناسبة الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لاندلاع الثورة، حطت “المساء” رحالها بقرى أزفون وآيت شافع لتنقل شهادات حية لمجاهدين من أبناء هذه المدينة الساحلية الذين ذاقو أبشع صور التعذيب بعد أن قاموا بعدة عمليات استهدفت الجيش الفرنسي سيظل التاريخ شاهدا عليها وتتناقلها الأجيال الصاعدة لتبقى راسخة ومحفورة في قلب وذاكرة كل جزائري. اللقاء كان مع مجاهدين من قرية تدميمين التي قدمت إبان الثورة 18 شهيدا سقطوا في ميدان الشرف ليرفرف علم الجزائر في سمائها عاليا، وآخرين من قرية تاقمونت التي أنجبت أبطال نوفمبر أمثال الشهيد سعيد أورمضان وأخوه علي وغيرهما من الشهداء الأبرار في مبادرة لحفظ التاريخ ونقله للأجيال الصاعدة. المجاهد بلحوسين أحمد المدعو”حند دميمة”: سجنت وعذبت من أجل الجزائر بفرحة وقلب منشرح استقبلنا المجاهد بلحوسين أحمد المدعو “حند دميمة” ليستحضر معنا محطات تاريخية يتذكرها بالتفصيل كأنها وقعت بالأمس القريب، حيث شرع في سرد إنجازاته إبان الثورة إلى جانب إخوانه المجاهدين بقلب ينبض بتلك القوة التي كان يتحلى بها في مواجهة العدو، لكن هذه المرة بنبض يرمز الى الفرحة بالحرية والاستقلال، بفرحة لم يتمكن المجاهد من إخفائها؛ فملامح وجهه تعبر عن ذلك وهو يحكي ويقول “خلال الثورة كنا ننصب الكمائن للجيش الفرنسي، وأول كمين شاركت فيه كان بقرية “إعشوبة” في ال 11 جوان 1958، كان عمري آنذاك 26 سنة، حيث كنا بمنطقة اعكوران (دائرة اعزازقة) رفقة مجموعة تضم 110 مجاهدين، تحت قيادة سلوم اعمر المدعو “أعمر اعزوق” (نسبة لمدينة اعزازقة التي ينحدر منها) وتنقلنا إلى قرية “تاشرفت عثمان” وبعدها الى غاية “إعشوبة” وكانت الساعة تشير إلى حدود منتصف الليل، ونزلنا ضيوفا على القرية، حيث قدم لنا الأكل والشراب وأخذنا قسطا من الراحة إلى غاية حدود الساعة الثانية صباحا، حيث قام أعمر اعزوق بانتقاء فرقة من 12 عنصرا (كنت ضمنها) توجهت إلى منطقة بين قريتي “إعشوبة” و«كانيس”، ثم ناحية البحر وتحديدا إلى قرية “مشتة”، وهناك طلب القائد أعمر اعزوق نصب كمين للجيش الفرنسي وفعلا قمنا بمعية المدعو “كابيتان الروجي” و«موح أعمريو” بذلك، وكان المدعو “حجو موح أمزيان” مكلفا بمراقبة تنقلات الاستعمار نحو قرية مشتة وقتلنا يومها 7 جنود واسترجعنا خلال العملية أسلحة من نوع “دي 24” ومباشرة بعد هذا الكمين انتقلنا إلى قرية “إعشوبة” وبلغ الخبر الاستعمار الفرنسي الذي أرسل جنوده لمحاصرة المكان واختبأنا في منزل منعزل وبعد فترة من الراحة حلقت طائرة صغيرة فوق القرية رمت أوراقا كتب فيها “قرية إعشوبة تضم عدددا كبيرا من الفلاقة (مجاهدين)، أمامكم ساعة من الوقت لمغادرة القرية وحمل أغراضكم ومواشيكم لأنه سيتم قصف القرية”، وأضاف المجاهد “انتابتنا الحيرة حول من يتحمل مسؤولية إخلاء القرية، غير أنه لم تمر سوى 4 دقائق حتى شرعت 4 طائرات في إطلاق النار لتغادر وبعد نصف ساعة جاءت أخرى وشرعت بقصف القرية بالقنابل واستمر القصف الى غاية منتصف الليل”. وبصمت يحمل الكثير من المعاناة نطق المجاهد قائلا “لقد سقط يومها 45 شهيدا، فيما انتشلنا من تحت الردم آخرين أحياء لكنهم أصيبوا بجروح وتم إسعافهم ومنهم من بقي معاقا، وفي اليوم الموالي أي 12 جوان -يضيف المجاهد حند دميمية- جاء مجاهد مسؤول عن منطقة القبائل ليتفقد الوضع، مشيرا إلى أننا عقدنا وعزمنا على رفع التحدي والتصدي لأي هجوم من أجل إخراج فرنسا من بلادنا ولو كلفنا ذلك حياتنا التي لا يوجد ما هو أغلى منها، لكن الحرية المسلوبة جعلت حياتنا لا معنى لها، وفعلا تعرضنا للجوع، الضرب وشهدنا أبشع صور التعذيب، سقطنا ووقفنا مرات ومرات، كل هذا من أجل أن تكون الجزائر دولة لها سيادة وحرية”. كما أضاف المجاهد يقول “توجهت رفقة 10 مجاهدين من بينهم المجاهد رابح أوباري و«كابتان الروجي” إلى قرية اغيل بوزال، حيث أراد أوباري زيارة أهله، حيث قال لي “يا دميمة أريد أن أرى عائلتي لأني أحس بأن الموت قريب مني”، وفي تلك الأثناء حاصرنا الجيش الفرنسي ولم نكن ندري بالأمر وفجأة شعرنا بتحركاتهم على شكل أفواج منهم من كان بقرية “العنصر” القريبة (المستشفى الجديد مغتنم الوناس حاليا لمدنية اعزازقة) وآخر بالمقبرة المسيحية ولحظة خروج أوباري من منزله أطلق الجيش الفرنسي وابلا من الرصاص وشاهدت رابح أوباري يسقط شهيدا، فيما أصيبت رجلي اليمنى بطلقة نارية ورغم ذلك حاولت الهروب نحو قرية “تادرث” وسقطت بالواد وشاهدني جنود فرنسيون فلحقوا بي وحاصروني ولحظتها اختلطت الأمور على الجيش الفرنسي ودخلت المجموعتان في اشتباك وتبادل لإطلاق النار ليسقط 13 جنديا فرنسيا وسرعان ما التحق قائدهم بعين المكان وحاول الاستفسار عمن قتل الجنود وتفاجأ لكون المجاهد المصاب وراء ذلك، وواصل المجاهد سرد ما عاشه إبان حرب التحرير، وقال لقد حملوني على متن سيارة وجردوني من سلاحي وأسعفت إلى مستشفى تيزي وزو، حيث خضعت لعملية وبعدها تبين أن الخطر لا يزال قائما فخضعت لعملية أخرى بينما كنت تحت حراسة إلى جانب المحبوسين. وبين لحظة وأخرى يسرد المجاهد مختلف العمليات التي قام بها، حيث عاد بنا إلى تاريخ 14 جويلية 1956، حيث استهدف المجاهدون مركز للجيش الفرنسي بقرية تيدميمن (أزفون)، حيث قال “يومها كنت بالمنزل ولحظة وقوع الهجوم خرج الجيش الفرنسي نحو القرية ودخل منزلنا وقام أحد الجنود الذي كان يحب الحديث معي لأني أتقن اللغة الفرنسية بالتوجه نحوي مبديا استغرابه أن أكون من تلك العائلة وأخذ يضربني على جبهتي والدم يسيل ولم تتحمل زوجتي ذلك المشهد فتدخلت وهي حامل وحاولت إبعاده، وبعدها حولت إلى ثكنة عسكرية بتدميمين رفقة سكان القرية حيث سجنت، وطلب مسؤول الجيش الفرنسي بالمنطقة -لا أتذكر اسمه- من الجنود إحضار المجاهد “بلحوسين أحمد” حيا لكونهم يعرفونني من خلال نشاطي وتحركاتي لخدمة المجاهدين، وأمر الجنود بجمع سكان القرية في ال 15 جوان (أي في اليوم الموالي) ليطلق النار عليه أمام مرأى الجميع. «وفي تلك الليلة -يضيف المجاهد- قاموا بتكبيل يدي ورجلي الأيدي والأرجل وحتى العنق لدرجة لا يمكن التحرك تحت حراسة 4 جنود إلى غاية منتصف الليل ليأتي فريق آخر من بينهم الجندي الذي ضربني أمام زوجتي، وطلبت منه أن يفك قيدي قليلا وفعلا قام بذلك فنمت لبعض الوقت واستعنت بغطاء من البلاستيك كفراش” ليتوقف المجاهد ويؤكد “بينما كنت نائما فجأة شاهدت رجلا أبيض اللون وهو يتحدث إلي ويقول “انهض -3 مرات-” ولما استيقظت كان الوقت صباحا، واغتنمت فرصة انشغال الجنود وهربت ولحظتها شاهدني أحدهم وحاول اللحاق بي وشرعوا في إطلاق النار لتخويفي فقط لأن مسؤولهم طلب منهم إحضاري حيا، لكني لم أتوقف وواصلت طريقي إلى أن بلغت واد كان به حشيش كثيف فاختبأت فيه إلى أن مر الجنود وظنا منهم أني هارب إلى قريتي قاموا بمحاصرتها وأحرقوا منزلي وقاموا باحتجاز والدي وزوجتي واصلت الطريق إلى قرية تامغوت ثم إلى قرية قيسول “بلدية آقرو” وبقيت أناضل إلى جانب المجاهدين إلى أن تلقيت رسالة من مجاهدي قرية تيقناثين بقيادة “الكسكس” يطلبون مني الذهاب إليهم ولما وصلت أخبرني أنه من استهدف مركز الجيش الفرنسي بقرية تيدميمين. كما أضاف “كانت مع المجاهد “الكسكس” قنبلة لم يسبق لي وأن رأيت مثلها فاستفسرت عنها وغرضها وكلفت بتفجيرها بثكنة عسكرية فرنسية بقريتي بعد أن شرح لي كيفية استعمالها وأن أحضر دليلا ماديا يثبت استعمالها فعلا، موضحا لي أن فتح القنبلة يترك أثارا على اليد”، مضيفا “غادرت القرية نحو قريتي تيدميمين، حيث كانت هناك حراسة مشددة ولم تتح لي الفرصة لتفجير الثكنة، لكن تمكنت من تفجير منزل به جنود فرنسيون يلعبون القمار ومات 7 جنود وبعد دقائق قليلة فقط حطت مروحية بالمكان لأهرب إلى قرية “الما كشتوم” ومنها إلى آماكن أخرى أتنقل مع المجاهدين الذين تعتبرهم فرنسا عناصر فعالة وناشطة ومحل بحث. وختم المجاهد كلامه “لقد تسببت لي كثرة إطلاق النار في نقص في السمع وكذا إعاقة في رجلي التي ورغم خضوعها لعمليتين لكنها لا تزال مجروحة وآثار الرصاصة بادية رغم مرور أزيد من 50 سنة على الجرح، لكن كل ذلك ليس مهما طالما انتزعنا الحرية من فرنسا الغاشمة التي لم تفهم سوى بلغة الدبابات والكفاح والنضال الذي كان شعارنا آنذاك “تحرير الجزائر بالرجال والدم”، مضيفا أن الجزائر حرة اليوم بفضل رجال ونساء وأطفال. صايج حفصة... المدعوة “نا عدودة” التخريب، الدمار والمساس بالشرف أساليب فرنسا الهمجية لعبت المرأة إبان حرب التحرير دورا فعالا، فقد كانت عنصر دعم وتموين وكذا مجاهدة إلى جانب الرجل فالحلم واحد والغاية نفسها، أمثلة عديدة عن بطلات الثورة منهن اللواتي استشهدن وأخريات استمرين في الكفاح كل واحدة بما استطعت، ومنهن المجاهدة المدعوة “نا عدودة”، التي تنقلنا إلى منزلها الواقع بقرية “تاقمونت”، حيث فتحت لنا ذراعيها والدموع لم تفارقها طيلة وجودنا بمنزلها، وشرعت في سرد حقائق محزنة عما ارتكبه الاستعمار في حق الشعب الجزائري بالمنطقة، خاصة المرأة التي يعتبرها الجيش الفرنسي بمثابة الضربة القاضية للمجاهدين كون المساس بشرفهم يدفعهم إلى النزول من الجبال وترك الكفاح والاستسلام، لكن ما لم يضعه الجيش الفرنسي في حسابه أن الشعب عقد العزم على عدم الرجوع إلى الوراء مهما كان الثمن. بدأت “نا عدودة” تسترجع ذكرياتها شيئا فشيئا، قائلة “لقد نسيت الكثير من الأحداث، فهي أمور لا تسر القلب ليتذكرها الفرد، وهي أمور محزنة كذلك ونسيانها ينسي الفرد الأحزان والآلام التي لازمت الشعب طيلة الاحتلال الفرنسي، حيث قالت “كنت أتكفل بتوفير المؤونة من أكل، ملبس ومشرب للمجاهدين، وكان أبي المدعو “عمي دعري” في السجن بثكنة تدميمين وكان كل سكان القرية محاصرين بينما تمكنت من مغادرة المكان فحمّلني أبي رسالة لأربعة مجاهدين منهم المجاهد علي دحمان، رابح ياكوش وأعمر سعيد أرزقي وتضمنت الرسالة خطة اقتحام الثكنة العسكرية بتواطؤ من المجاهدين المحبوسين وفعلا دخل المجاهدوين الثكنة واستولوا على أسلحة فيما ظل المجاهدين الآخرون سجناء ولم يتمكنوا من الهرب بعدما تعززت الثكنة بعناصر أخرى . كما أضافت المجاهدة لقد عملت مع زوجة الشهيد سعيد أورمضان المدعوة باية، حيث كنا نتولى توفير احتياجات المجاهدين، مشيرة إلى أن الشهيد سعيد أورمضان الذي قامت بناته ال 6 في ال 23 جوان الماضي بتخليد ذكراه من خلال تنظيم “وعدة”، كان رجلا شجاعا وقويا، قهر كثيرا الجنود الفرنسيين إلى أن سقط شهيدا بقرية أقورار بعد محاصرة الجيش الفرنسي المكان ل 15 يوما. «نا عدودة” كما أطلق عليها إبان الثورة كانت تحكي والدموع لم تفارق عينيها الجميلتين، حيث كانت تبكي فرحة للمبادرة التي قامت بها بنات الشهيد سعيد أورمضان وتبكي حزنا على الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل الحرية وزاد بكاء المجاهدة لما تذكرت جرح الماضي الذي حفر في قلبها جوفا عميقا مليئا بالذكريات السوداء التي لم تر النور إلى أن سقط الرجال والنساء وذاقوا ويلات التعذيب والجوع والحرمان والترحيل والدمار والتخريب ومختلف السياسات الفرنسية الوحشية. وبعد لحظة محزنة وهي تحضن صورة زوجها، أضافت المجاهدة، “جاء المجاهد علي توتة إلى منزلنا وطلب أن نخبئ زوجته عندنا وكذا سلاحه، مما أثار غضب فرنسا”، حيث لا تزال المجاهدة تتذكر اقتحام الجيش الفرنسي بمنزلها والاستيلاء على كل ما وجده من أكل ومؤونة، كما أخذ معه 32 رأس غنم، مثلما لا تزال تتذكر الوحشية التي اقترفها الجيش الفرنسي بالاعتداء على شرف النساء، وقالت “أتذكر جيدا المدعوة يمنية زوجة شهيد معروف إبان الثورة، الذي ضايق الاستعمار كثيرا، وقعت ضحية اعتداء والتعذيب” ولم تستطع المجاهدة مواصلة سرد الوقائع من شدة الآلم والحزن الذي جثم على نفسيتها جراء ما عاشته وذاقته إبان الثورة، وكان بكاؤها أصدق صورة للتعبير على ما ذاقته من مرارة ووحشية على يد الاستعمار الغاشم الذي دفعها إلى أن تتهرب من الحزن بنسيان الماضي وطي الصفحة، وقالت “ليست ذكريات جيدة كي نحافظ عليها وإنما ذكريات مظلمة وسوداء، والتفكير فيها يزيدنا عذابا وألما”. بركان علي المعروف ب “علي دحمان”: الماء الساخن، الصابون والأعمال الشاقة مصير المحبوسين على بعد أمتار من منزل “نا عدودة” التقينا المجاهد “علي دحمان” ابن شهيد وابن قرية تاقمونت”، الذي أطلق العنان للسانه ليسرد محطات من الثورة التحريرية التي شهدتها قريته، والمجاهدين الذين عرفهم وتعامل معهم، حيث قال “انضممت إلى صفوف المجاهدين في عام 1957 وقمت بعد تلقي رسالة من المجاهد “عمي دعري” تكفلت ابنته “نا عدودة” بنقلها إلى المجموعة التي أنتمي إليها بتنفيذ خطة اقتحام الثكنة بمساعدة المجاهدين السجناء واستولينا على 5 أسلحة”. وعاد المجاهد بنا إلى سنة 1956، حيث قال “كنت بالعاصمة وقررت المجيء لقريتي للنضال بها إلى جانب أبنائنا، ولما وصلت إلى قرية إغيل مهني ألقي القبض علي من طرف القوات الفرنسية بحجة أني لم أتحصل على رخصة للتنقل وحولت إلى ثكنة عسكرية، حيث تعرضت لأبشع صور التعذيب، الماء الساخن، ماء الصابون، الجوع وغيرها وقد عوقبت بالأشغال الشاقة وبعدما رأى الجنود العمل المتقن الذي قمت به تم إطلاق سراحي بشرط أن أعود إلى العاصمة، قلت لهم نعم وصعدت إلى الحافلة وفي الطريق ولحظة وصولها لقرية تقرسفت قفزت من الحافلة وهربت نحو الجبل للالتحاق بالمجاهدين مجددا واستمريت في توفير المؤونة للمجاهدين”، مضيفا أن منزله الواقع بقرية تاقمونت يعد مأوى لللاجئين، حيث يجدون الحماية فيه. بوسوال أحمد بن علي: فضلت أن أسقط شهيدا على أن أكون حركيا وخائنا كانت زيارتنا لمدينة أزفون فرصة لجمع شهادات حية لمجاهدين ممن عاشوا ويلات الأساليب الوحشية لفرنسا والسجن والجوع فضلا عن العنف والتعذيب الممارس ضد الشعب الجزائري، استوقفنا خلال هذه الزيارة عمي أحمد الذي ينحدر من قرية أقجدال بلدية آيت شافع ليسرد بفخر ما قام به إبان الثورة التحريرية، حيث قال “بعد اندلاع الثورة كنت على اتصال مع المجاهدين وقررت فيما بعد الانضمام إليهم فقد قلت في نفسي أفضل أن أسقط شهيدا من أجل الوطن على أن أكون إلى جانب فرنسا حركيا وخائنا” وأضاف “خرجت إلى الجهاد في 28 نوفمبر 1955، حيث اتجهت إلى قرية بونعمان، حيث يوجد مسؤول المجاهدين المدعو “سي موح السعيد أزفون” الذي كان موجودا بقرية تدعى “لعزيب” تقع بواد لا يمكن للاستعمار أوالحركى إيجادها، حيث تعتبر ملجأ للمجاهدين ومخبأهم لعقد الاجتماعات ووضع خطط لاستهداف المستعمر، منهم آكلي بابو، كريم بلقاسم، موح السعيد أزفون، موح أرزقي، موح أرزقي إبيزار، موح أمقران بقرارج، سعيد أعزوق وغيرهم. وقسم مسؤول المنطقة موح السعيد أزفون المجاهدين إلى فرق منها فرقة يقودها المجاهد موح السعيد أويكان من بلدية تيميزار والثانية أخي بوسوال محمد بن علي، الذي استشهد بقرية تقربين سنة 1957 والفرقة الثالثة كان يقودها الشهيد موح أعوين وكانت كل فرقة مكلفة بمهمة، فالفرقة التي انضممت إليها هي الفرقة الأولى وكنا مكلفين بتوعية وتحسيس الشعب بضرورة المقاومة ومساعدة ودعم المجاهدين من أجل إنجاح الثورة وإخراج العدو من بلادنا وكذا إخبارهم ماذا يعني المجاهد والفرق بينه وبين الحركي، وكنا نتنقل إلى أسيف الحمام وآث إيجار لجمع الشعب في تاجمعت نتادرت أو المسجد لكي يتحدث إليهم مسؤول الفرقة ويوعيهم ويعرفهم بمقصود مجاهد ودوره وسبب صعودهم. وأضاف “في نهاية سنة 55 نصبنا أول كمين للجيش الفرنسي بين اعكوران وآدكار وتحديدا على مستوى قرية أغولاذ، حيث سقط يومها الشهيد سي السعيد إيفيغا من بلدية إيفيغا (دائرة اعزازقة، وتناولت آنذاك جريدة البصائر الحدث وأشارت إلى أنه سقط مجاهد إلى مقتل 37 جنديا، ومنذ ذلك الحين توقفت الجريدة عن الصدور لأن ذلك الخبر لم ترضى به فرنسا بقدر ما أزعجها، مشيرا إلى أنه في تلك الليلة حاصرت القوات الفرنسية القرية ولما علمنا بأمر قدومهم هربنا نحو الجبال حيث تكفل المدعو شيخ أعمر من قرية أزغار نعومة بلدية زكري بإطعامنا، وفي أواخر سنة 56 قمنا بكمين آخر بقرية إخطابن بلدية آدكار ببجاية لم يسقط أي شهيد فيما قتل عدد من الجنود، موضحا أن هذا الكمين جاء بعدما سمعنا ما يقترفه الجيش الفرنسي في حق الشعب من ظلم، حڤرة وتعذيب وتخريب وغيرها، حيث اجتمع كل من الشهيد سي العربي أشوشي مع موح أرزقي أبيزار لدراسة المسألة، خاصة وأن الأمر يتعلق بالشرف والتهميش وغيرها من الأساليب التي يمارسها الجنود للضغط على المجاهدين من أجل تسليم أنفسهم والتراجع عن المقاومة، كما قتل شيخ متقدم في السن بواسطة شاقور دون أن يرتكب أي ذنب، خاصة بعد استعانة فرنسا ضمن جيوشها بسنغاليين وتقرر نصب الكمين لاستهدافهم وأخذ أسلحتهم، وواصل المجاهد سرد حقائق الثورة المرة، حيث دخل السجن سنة 1961 ولم يغادره إلى غاية وقف إطلاق النار في ال 19 مارس 1962، وقد تم تعذيب جل السجناء باستعمال الماء الساخن والصابون، وغيرها من الوسائل إلى أن يموت السجين وإن لم يمت يوضع في السجن إلى أن يموت تحت التعذيب مرة أخرى، مشيرا إلى أنه ينحدر من أسرة ثورية قدمت عدة شهداء منهم أخوه بوسوال محمد، الذي استشهد بقرية تقربين سنة 1957، ومزيان الذي سقط شهيدا بجبل تامغوت فيما وضع يحيى بالسجن منذ اندلاع الحرب إلى غاية وقف إطلاق النار. وأعقب كلامه قائلا، مأساة وحرمان وعذاب كللوا في النهاية بفرح وحرية وكان ذلك يوم 19 مارس ليخلد يوم 5 جويلة يوم عيد ميلاد ثان للجزائر الذي خرج فيه الشعب ليعبر عن فرحته باسترجاع سيادته وحريته التي سلبها المستعمر الفرنسي لأزيد من قرن، فلقد خرجنا إلى الشوارع للاحتفال بهذا اليوم، حيث رقصنا وفرحنا كثيرا. شكري حسني... (أرملة شهيد): زوجي قدم حياته للجزائر وأنا قدمت وفائي له صنعت ثورة نوفمبر التحريرية أبطالا ورجالا، فقدوا كل ما يملكونه ، لكنهم لم يفقدوا الأمل في الكفاح إلى غاية آخر نفس لاسترجاع تلك الحرية المسلوبة ونيل الاستقلال ليكونوا بذلك أبطال الحرية والثورة المظفرة مثلما هو الحال بالنسبة لمليون ونصف مليون شهيد من أبناء الجزائر شرقا وغربا، جنوبا وشمالا، بهذه العبارة فتحت “نا حسني” حديثها عن زوجها الشهيد شعبان محند أورابح، الذي صعد إلى الجبل وساند إخوانه المجاهدين إلى غاية استشهاده في عمر الزهر رجلا مخلصا ومحبا لوطنه، حيث قالت “فقدت زوجي لما كان عمري 25 سنة، فقد فضل الموت شهيدا على البقاء حيا تحت سيطرة وسياسة فرنسا الدنيئة والوحشية”، وأضافت “زوجي قدم حياته للجزائر وأنا قدمت وفائي له إلى أن ألتحق به” فقد قررت عدم الزواج مرة أخرى وظللت أرملة ووحيدة وفية للعهد الذي قطعته معه فهو ظل وفيا ومخلصا لوطنه فكيف لي أن أخذله والاّ أخلص له، الآن عمري 76 سنة، لم يرزقني الله بالأولاد لكن أنتم جيل الاستقلال أبنائي وأبناء الشهيد شعبان أورابح الذي سقط شهيدا ضمن مجموعة مجاهدين تضم 30 شخصا في كمين نصبه الجيش الفرنسي. وبوجه ملائكي بشوش أخذت تحكي “نا حسني” بطولات زوجها المعروف بالشجاعة والقوة، حيث قالت “لقد قام زوجي بجلب السلاح من تونس وإدخاله إلى الجزائر وايصاله للمجاهدين وبه نفذوا عدة عمليات استهدفت الجيش الفرنسي فهزمت فرنسا الغاشمة وأخرجت من بلادنا، لنحيا اليوم أحرارا وينعم أبناؤنا بالحرية”.