نادرا ما تجتمع خصائص عظيمة في نفس واحدة، وهي الأخلاق، الإيمان، النضال المتواصل من أجل الحرية والاستقلال والثقافة الواسعة والتبحر في اللغة العربية والتمكن في اللغة الفرنسية والإنكليزية، هذه الصفات جمعت في شخصية واحدة هي شخصية محمد العربي دماغ العتروس، الذي تم تكريمه أول أمس من قبل جمعية مولود قاسم نايت بلقاسم بمقر المجلس الإسلامي الأعلى بابن عكنون، بحضور ثلة من رجالات النضال والجهاد والثقافة. في بداية الحفل التكريمي، شكر الأستاذ محمد الصغير بن لعلام الشيخ الأستاذ العربي دماغ العتروس، على تلبيته دعوة الجمعية رغم تقدمه في السن وظروفه الصحية، معتبرا إياه كنزا من كنوز النضال والجهاد والثورة، ومخرونا لذاكرة الجزائر المجاهدة في رموزها ورجالات حركتها الوطنية وثورتها التحريرية، وبعدها أحال الكلمة للأستاذ العربي دماغ العتروس، الذي شكر الجمعية على هذا الاحتفاء...وأعرب الشيخ العربي دماغ العتروس عن أمله في أن تعمم هذه المقاصد الشريفة وتسود البلاد، لأنها مقاصد خير وعطاء وتضحية كما قال محررو بيان أول نوفمبر في إطار المبادئ الإسلامية. واستعرض الأستاذ محمد دماغ العتروس مسار حياته النضالية والجهادية والثقافية منذ نشأته وتربيته حتى صار مناضلا مؤمنا بما آمن به الآباء، بوطن عربي اللسان ظلم وسلب وتسلط عليه الأعداء من أجل محو لغته ودينه وعاداته، والعدو هو فرنسا. وعن حياته، أكد الشيخ العربي دماغ العتروس، أنه تربى في عائلة متدينة، حيث نهل من شيم أهل البادية والريف والمدينة، وعندما كبر وجد في هذه البيئة عائلة تحب العربية، وكان في عرف الجزائريين أن البيت الذي ليس فيه أحمد، والبيت الذي لا يوجد فيه من يحفظ القرآن هو بيت خال، والدي كان يحفظ القرآن وكان يقول لأمه عندما يطلب منها شيئا يا ابنة أحمد، فترد عليه، أنا بنت سى أحمد لأن والدها كان يحفظ القرآن الكريم. وأضاف السيد دماغ العتروس، أنّه في أربعينيات القرن الماضي كان في مدينة الحروش، وعندما كبر انخرط في الحركة الوطنية سنة 1941 وكان كشافا ومرشدا بها، وكانت قريته تعد أكثر من مائة كشاف منهم عبد الرحمن كربوش والسعيد كربوش (كان من العلماء) ومسعود بوقدوم، وقال ”بدأت نضالي في الكشافة وشاركت فيها منذ أن أنشأها الشهيد محمد بوراس”. وأضاف الأستاذ دماغ العتروس ” في أربعينيات القرن الماضي كانت فرنسا مهوزمة من الألمان وكنا حينها نلاحظ السيرة التي كان يسيرها الفرنسيون وهم محتلون فوجدناهم من أذّل الناس”. وروى الشيخ العربي للحاضرين حادثة عاشها والمناضل بن يوسف بن خدة عند زيارتهما للبرازيل وكانت عاصمتها ريو دي جانير من أجل التعريف بالقضية الجزائرية، وكان حينها للسفارة الفرنسية تأثير على حكومتها ” فمنعنا من الدخول، وكان مبرر البرازيليين حينها خوفهم علينا، إلا أن سفراء باكستان ومصر ويوغسلافيا الذين كانوا في انتظارنا، اعتصموا في المطار وقالوا للسلطات إذا لم تسمحوا لهم بالدخول سنبقى هنا بالمطار معتصمين، فسمحوا لنا بالدخول”. وأضاف الشيخ العربي دماغ العتروس ” في البرازيل عقدنا ندوة صحفية وكان من بين من حضرها أحد المعمرين الفرنسيين كان قد هاجر إلى البرازيل بعد أن باع أملاكه في الجزائر، وسألنا في هذه الندوة، إذا كنا نحارب من أجل الحرية والاستقلال بصدق، فلماذا يوجد ربع مليون جزائري يحاربون مع الجيش الفرنسي، فأجابه يوسف بن خدة رحمه الله، حيثما يكون الانكسار يكون العار، و أنتم الفرنسيون حينما دخل الألمان إلى بلادكم طلب 400 مائة ألف فرنسي الجنسية الألمانية”. واستطرد الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس في حديثه، مؤكدا أن الذي أنقذ فرنسا من الألمان ليس ديغول كما يزعمون، وإنما الذي أنقذها هو بيتان الذي تنازل للألمان عن أشياء كثيرة كانو يطالبون بها. واختتم الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس كلمته بالقول : ” كنا في حزب الشعب وكان شعار جريدة الأمة ”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، فالمناضلون كانت عقيدتهم إسلامية، ووطنيتهم وطنية إيمان وليس خبز، ”لأن المسلم يجب أن يكون سيّد نفسه لا يرضى أن يحكمه الغير” . وأنهى السيد محمد العربي دماغ العتروس كلمته بعدما جاء خبر وفاة المغفور له المجاهد عبد الرزاق بوحارة، بتلاوة فاتحة الكتاب والدعاء للفقيد بالرحمة والرضوان من الله.