الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس، أحد كبار المثقفين الجزائريين باللغتين العربية والفرنسية، بالإضافة الى إتقانه اللغة الإنكليزية، وهو أيضا أحد أركان الحركة الوطنية وخطبائها المفوهين الذين استطاعوا نشر الفكر الوطني، ونظرا لأهمية هذه الشخصية الجزائرية الثقافية والسياسية، استضافها أول أمس بفندق الأوراسي، المجلس الأعلى للغة العربية ضمن منبره "شخصية ومسار"، وقد حضر هذه الندوة نخبة من الرجال الذين عايشوه. استهل الكلمة التكريمية والاحتفائية، الدكتور محمد العربي ولد خليفة، الذي أكد في البداية أن الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس، شخصية من أعلى طراز ورجل ليس ككل الرجال، حافظ للقرآن الكريم، تعلم في سكيكدة وفي زمورة، وجامع الشرفة ببلاد القبائل، وكان عضوا فعالا في حزب الشعب الجزائري، تدرب على الترجمة وشارك في أحداث ماي 1945 وسجن، وقد عمل مع عبان رمضان في القاهرة عام 1957، كما عين للتعريف بالثورة الجزائرية في العديد من المؤتمرات الدولية، وهو من مواليد 1924 بأولاد حبابة بسكيكدة مسقط رأسه. أما الأستاذ الحاج يعلى، فقد أكد في شهادته أنه تعرف على الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس في 1947 - 1948، وأضاف أن "دماغ العتروس عذب وسجن، مستطردا بقوله: عشت معه في القاهرة هو والأستاذ مهري، ليلتحق بنا بعد ذلك الدكتور أمين دباغين وقضيت معه سنوات رفقة بوقادوم الحواس، وأنا مدين له لما كان يذهب بي في القاهرة الى النوادي الأدبية والثقافية لحضور المحاضرات، والأستاذ العربي دماغ العتروس قام بجهود جبارة من أجل تحسيس المثقفين المصريين بالثورة الجزائرية". أما الأستاذ عبد الحميد مهري، فقد كانت كلمته ذات وقع حيث استعرض كيفية لقائه بالأستاذ محمد العربي دماغ العتروس قائلا: "أول لقاء كان إثر حوادث 1945 بعدما قرر حزب الشعب الجزائري الخروج من النضال السري الى النضال العلني، وكان اللقاء بوادي الزناتي القريب من مدينة قالمة، في ذلك الحين تلقى السيد الحواس بوقادوم مكالمة وكان مفادها أن طلب منا الحزب الخروج إلى العلن النضالي". ويضيف السيد مهري قائلا: "كنت أظن أن هناك خطباء نحن نهيء لهم المكان، لكن بعد افتتاح الجلسة طلبوا مني الكلام، هذه هي الأحداث التي أذكرها مع الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس والحواس بوقادوم، ثم التقينا في الحروش وجرى بينه وبين الشريف بوقادوم حديث مطول وكان يدور حول المفاضلة بين النظام التعليمي، وكانت المقارنة نقدية وعميقة. استمر التواصل بيننا في حزب الشعب وفي تونس، لأنه جاءها في مهام عديدة، وفي هذه الفترة كان الأستاذ دماغ العتروس المرجع لقضية التعريب والإعلام". أما عن أخلاقه وخصاله، فيقول مهري: "كان متسامحا إلا في اللغة والسياسة". وعن حياته خلال الثورة، يقول مهري: "كان دماغ العتروس من الإخوان الذين ساندوا التيار المنادي بالكفاح المسلح، وكانت حياته النضالية في الصحافة والإعلام والتعريب، وأيضا في النيابة بالمجلس الجزائري، وسط غلاة المعمرين (1942) وفي اجتماعات المجلس هيأ الفرنسيون احتفالا كبيرا لافتتاح دورات المجلس، وكان نواب حزب الشعب لبسوا الطرابيش ليتميزوا عن الفرنسيين وعند النشيد الوطني الفرنسي (لا مرسييز) لزموا مقاعدهم ولم يقفوا، فنزلت عليهم الشتائم من كل جهة، وبعد أن انتهى النشيد الفرنسي قاموا وأنشدوا النشيد الوطني الجزائري "فداء الجزائر روحي ومالي آلا في سبيل الحرية". كما روى السيد مهري قصته مع الجريدة التي حاولت السلطات الاستعمارية مصادرتها فأمر حزب الشعب أو من أجل انتصار الحريات، أن يسارع المناضلون بإخراجها من المطبعة وتهريبها من البوليس وأن تكون السيارة بقيادة المناضل محمد طالب وكلف الأستاذ العربي دماغ العتروس بصفته نائبا في المجلس الجزائري بتعطيل البوليس بالحديث معه، وهكذا تمت العملية بشكل بوليسي واستطاع المناضلون تهريب جريدة "الجزائر الحرة" من المصادرة في وقت قياسي وبإرادة المناضلين. وتكلم الأستاذ رابح مشهود وأدلى هو الآخر بشهادته حول الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس، كما أرسل السيد صالح قبي بمحاضرة ألقاها نيابة عنه الأستاذ عبد الحميد اسكندر. وقد تم تكريم الأستاذ محمد العربي دماغ العتروس في الأخير بحضور رفقاء النضال والثقافة والدبلوماسية.