ضم فندق هيلتون الجزائر مؤخرا، لقاء عمل بين رجال أعمال جزائريين في مجال التأثيث المنزلي والهندسة المعمارية ونظرائهم التونسيين، بهدف خلق شراكات في المجال، اللقاء جاء على هامش انعقاد الطبعة الثانية لصالون ”المنزل” للديكور، وكان فرصة ل”المساء” للتقرب من صنّاع الديكور في تونس وحديث حول ميولات الأسرة التونسية في التزيين الداخلي والخارجي. وأجمع محدثو ”المساء” من رجال الأعمال التونسيين المختصين في جانب الديكور والسيراميك والتزيين المنزلي، على أن الذوق التونسي في مجال التهيئة المنزلية والديكور شهد تطورات كثيرة تواكب تطورات العصر حقيقة، يقول السيد عبد الرزاق بوهاشم صاحب شركة ”تونس موزاييك”. مضيفا أن المرأة التونسية تشكل مصدرا إلهام وتجديد في صناعة الديكور بما يصل إلى 90 بالمائة حاليا. ”المرأة عندنا هي العمود في كل شيء ولأنها ملكة المنزل بلا منازع، فهي الزبون رقم واحد لكل ما يتعلق بالتهيئة المنزلية، والرجل عليه فقط دفع المصاريف”، يقول محدثنا. مضيفا ان الزبون التونسي من جهة أخرى، أصبح أكثر فرضا لما يحب ويرضى به في أشكال التصاميم الهندسية والألوان الديكورية، فلم يعد المنزل حاليا مجرد مكان لالتقاء العائلة والنوم، بل أصبح ملهما للراحة بكل زاوية من زواياه، وطبعا يدخل الذوق الفردي كمعيار تصنع لأجله هذا الديكور أو ذاك.
المرأة التونسية صاحبة الإلهام الأول ويشير السيد بوهاشم إلى أن اختصاص شركته في التأثيث المنزلي هو التزيين بالخشب المطلوب جدا حاليا في صناعة الديكور العصري، وقال إن الألوان هاهنا أصبحت متغيرة ولا تقتصر على المتعارف عليه فقط، أي صارت تتراوح بين الأبيض والأسود ودرجات القرميدي التي أصبحت مطلوبة جدا ”كل زبون يجيب حكاية معاه” ويطلب من الصانع تطبيقه سواء في غرفة النوم أو الصالون وحتى المطبخ. وأضاف انه لا فرق بين الزبون التونسي والزبون الجزائري في مجال الديكور، لأن منطقة المتوسط تفرض أنماطا معيشية متقاربة بين بلدانها. من جهته، قال السيد محمد زياد نعماني من ”موزاييك تونس”، أن أوجه التشابه الكبير بين المجتمعين التونسيوالجزائري تلقي بظلالها على الاختيارات الأسرية كثيرا، ومن ذلك مسألة التزيين المنزلي والتأثيث، ”ولكن هناك ميزة خاصة في تونس تجعلها تختلف بعض الشيء في هذا المجال عن المجتمع الجزائري، وهي تقاربها الكبير من النمط الأوروبي الذي يؤثر على التصميمات الديكورية أكثر، فأصبحت أكثر بساطة وسهولة مقارنة بالتصميمات الشرقية المعقدة أكثر”، يقول المتحدث، الذي أضاف ”نحن نعمل حاليا كرجال أعمال مع نظرائنا الجزائريين على دعم أواصر الأصالة أكثر بما يخدم مجتمعينا، واعتقد ان مجال الديكور والتزيين المنزلي لا يقل أهمية عن مجالات الاقتصاد والتبادلات التجارية، بل له خصوصية مميزة تكمن في لم ذوق الأسر التونسيةوالجزائرية وربطهما يبعضهما البعض”. في السياق، يرى السيد علي الطبيب صاحب شركة ”فينوس هاوس” من العاصمة تونس، أن ”هناك تكامل بين التهيئة العمرانية والتزيين المنزلي، الذي يتشابه إلى حد كبير بين المجتمعات في منطقة المغرب العربي، ويكمن وجه التشابه في الطبيعة التي هي القاسم المشترك بين الطرفين، فقد لاحظنا مؤخرا ان الزبون أصبح يميل أكثر إلى كل ما هو طبيعي، أي أنه يميل إلى مساحات أوسع في منزله واخضرار أكثر في التنسيق الداخلي والخارجي، أي انسجام مع محيطنا”. ويضيف المتحدث أنه كوسيط فعال في مجال التزيين المنزلي والزبون، يحاول إفهام هذا الأخير ان هناك إمكانية التهيئة الديكورية لمنزله تبعا لإمكانياته، لأنه هناك مغالطات في مجتمعاتنا تشير إلى ان صناع الديكور متكلفون وهذا خطأ، لأننا نعرض قامات مختلفة من ألوان وخامات الديكور بأسعار للجميع ”أصارحك أني لاحظت مؤخرا ان الزبون أصبح يستعين بالمجلات المتخصصة في الديكور لطلب نسخ كاملة من صالونات ومطابخ وغرف نوم وحتى زينة الحدائق الخارجية، وهذا يجعلنا نؤكد على أهمية الوسائط الإعلامية هنا في الترويج لهذا المجال من جهة، والتأثير على الأذواق العامة للزبائن”، يقول السيد علي طبيب. موضحا ان المرأة التونسية تشكل نسبة 30 بالمائة من نزعات الديكور حاليا، بمعنى ان المرأة خاصة ربة البيت التي تتأثر بالمسلسلات التركية والخليجية على وجه التحديد، تتقدم منا وتطلب صناعة أريكة أو غرفة نوم أو طاولة صالون على شاكلة ما رأت في تلك المسلسلات، ولا نتدخل هاهنا إلا في إدخال بعض الترتيبات بمقاييس معينة تتماشى مع مساحة منزلها وتبعا لقدرتها المادية.
التأثر بالنمط الغربي فرق الأسر حتى ديكوريا في سياق متصل، يعلق السيد بودينة جلال صاحب شركة ”الحلول الداخلية للتهيئة والديكور” بتونس العاصمة، ممتعضا، بالقول، ان المسلسلات الحديثة أثرت كثيرا على عقول النساء اللواتي أصبحن يشترطن صناعة ديكورات مماثلة للبيئة التركية تحديدا. متسائلا لماذا لا تتفطن المرأة هنا ان البيئة التقليدية التونسية أو الجزائرية أحسن ألف مرة مما يأتيها من الأسوار الأجنبية! وأرجع أسباب هذا التقليد الأعمى الذي خيّم على كل المجالات إلى الجهل، ليس بالثقافة العربية والأصالة الإسلامية فحسب، وإنما حتى الجهل بالتقليد الصحيح المبني على جلب المنافع من هناك والترفع عن القشور، كما قال. إلى ذلك، فإن محدثنا يقول ان متطلبات الأسرة بالمنطقة المغاربية أصبحت كثيرة، وفي غياب مفهوم القناعة عندها تفرعت رغباتها وتشعّبت وأصبحت تطال أمورا لم تكن موجودة في الحياة الاجتماعية سابقا، لذلك أضحى فيها خلط في كل الأمور حتى في مجال التزيين والتأثيث، فالنزعة حاليا في هذا المجال تدور في فلك متشابه يبتعد كثيرا عن الأصالة. ويضيف السيد بودينة في تحليله العام، أن ”الأسرة التونسية وقعت في اللاوعي المتأثر كثيرا بالغرب من خلال مشاهدتها لوسائل الدعاية، فتشبّعت بذات الثقافة الغربية في كل مناحي الحياة بما في ذلك وسائل الراحة المنزلية والتزيين، بمعنى أدق، ان الصالونات الأصيلة التي توضع عادة أرضا وبوسطها مائدة تلتف عليها العائلة قد غُيّبت كلية، وتركت المكان لديكورات تفرّق أكثر مما تلّم العائلة، أي أرائِك فردية منزوية هنا وهناك وموائد إفطار طويلة بكراس متباعدة، خلاصة القول، أن الأسر اليوم أضحت أكثر تباعدا في كل شيء، والديكور من جهته تأثر بالنمط الغربي المبني على الفردانية”. ويتابع بالقول، أن تصنع الرفاهية أضحى ميزة أخرى لدى الأسر التي تفضل شراء متر قماش ب200 اورو فقط للتباهي أمام الجيران والمفاخرة ”وهذا في اعتقادي تبذير أكثر منه حبا للظهور في مجتمع ابتعد كثيرا عن أصالته وتقاليده”. ويضيف انه في شركته يحاول إعطاء الحلول التي يراها منطقية وملائمة للأسرة التي تقصده في مجال التهيئة المنزلية والتزيين، ومن ذلك جاءت تسمية شركته ب”الحلول الداخلية للتهيئة والديكور”. مشيرا إلى ان الطبقات المجتمعية كيفما كان دخلها تلهث وراء التصنّع. وأوضح لنا السيد رياض بالزرقة رئيس الوفد التجاري التونسي، ان اللقاء جمع ممثلين عن 20 مؤسسة تونسية متخصصة في مجال الديكور والتهيئة العمرانية والتزيين المنزلي مع نظرائهم الجزائريين الممثلين لحوالي 100 مؤسسة متخصصة في ذات المجال، وجاء ضمن برنامج استثماري تونسي واعد بالجزائر بعد اتفاق مسبق مع منظمي صالون ”المنزل” للسماح لرجال الأعمال في مجال الديكور التونسيين بفتح مجالات شراكة مع نظرائهم من الجزائر. في السياق، أكد المتحدث ان شراكات مهنية بين الطرفين ستشهد ميلادها قريبا هنا في الجزائر، خاصة وان مجال التهيئة العمرانية بالوطن ”واعد جدا بالنظر إلى مشاريع المليون سكن التي تم الإعلان عنها مؤخرا، مما سيسمح أكثر بخلق شراكات متعددة الجوانب بين رجال المال والأعمال من الجزائروتونس تحديدا في عديد المجالات”، يؤكد السيد بالزرقة. مضيفا ان ”واحدا من تلك المجالات الواعدة، ميدان التهيئة المنزلية الذي شهد تطورات كثيرة في تونس تحديدا تتماشى مع متغيرات العصر الحديث من جهة، وبسبب أذواق الزبائن الذين أضحوا أكثر طلبا وفرضا لمنطق الجودة والذوق الرفيع”. وأكد بقوله ان ”التوانسة عاقدون العزم على الدخول بقوة والاستثمار في مجال الديكور وما يتصل به، بالنظر إلى التطور الكبير الذي يعرفه ذات المجال بتونس التي تصنع الاستثناء في السياق بجمعها بين الذوق الاورومتوسطي والعربي الإسلامي الأصيل”. مشيرا إلى ان عدد الشركات التونسية في الجزائر اليوم يصل إلى 80 شركة تمثل مختلف الميادين بحجم استثمار يصل إلى 200 مليون اورو ”وهدفنا الوصول بعد 3 سنوات إلى ضعف هذا الرقم”، يؤكد رياض بزرقة.