احتضن المسرح الوطني مؤخرا حفل تخرج أول دفعة للدكاترة في الصيدلة، في أجواء من الفرحة عمت المتخرجين والافتخار بإنجاز الأبناء بالنسبة لأولياء الأمور ممن حضروا الحفل هم كذلك. وأكد بعض المتخرجين سعة صدرهم لاستقبال حياة مهنية خدمة للوطن والمواطن، فيما أوضح آخرون أمر الجمع بين العمل المهني والعمل الجمعوي لتقديم اكبر قدر من الأعمال الخيرية للصالح العام. جمعت قاعة المسرح الوطني حوالي 170 دكتورا صيدليا، يمثلون أول دفعة في هذا التخصص في الجزائر بعد الإصلاحات التي عرفتها الدراسات العليا في المجال خلال السنوات المنصرمة، ”وبالتالي يمنح هذا اللقب مزيدا من الاحترام للصيدلي ويجعله في مصاف الطبيب الدكتور”، يقول سليم صايفي عضو الجمعية العلمية لطلبة الصيدلة للجزائر في حديث له مع ”المساء”، على هامش الحفل. وأردف يقول ان الدكتور في الصيدلة قد أمضى 5 سنوات من الدراسات في كلية الصيدلة زائد سنة دراسة يمضيها الطالب في تربصات تكوينية في المستشفيات العمومية ومصانع صناعة الأدوية للتعرف عن كثب على كل ما يتصل بالدواء وصناعته بجزئياته المختلفة، وكذا ببعض الصيدليات بالقرب من صيادلة احترفوا المهنة من قبل في سياق تلقي الخبرات من هؤلاء الذين يعتبرهم سليم معلمين إضافيين لأمثاله من الصيادلة. وبعد هذه السنة الميدانية يحضر الدكتور الصيدلي مذكرة تخرج عبارة عن بحث متخصص في موضوع ذي صلة بالدواء والمنتوجات الصيدلانية حتى يتمكن من افتكاك صفة ”دكتور صيدلاني”. ويثمن محدثنا العمل الكبير الذي استفاد منه شخصيا كطالب في ذات التخصص بفضل أساتذته، وبفضل سياسة الإصلاح التي عرفتها الجامعة عموما، معتبرا ان الاختيار يبقى مفتوحا أمام الطالب بعد سنوات دراسته، إما ان يترك المسار العلمي البحثي ويكتفي بفتح صيدلية ويمارس عمله في مجتمعه، أو أن يضيف سنة دراسة وبحث أخرى ويستفيد من لقب دكتور صيدلي مما سيمنح له إمكانية إجراء البحوث الميدانية. هنا يدعو المتحدث كافة أرباب مصانع الدواء إلى تسهيل العمل البحثي للصيدلي المتقدم بدراسات في هذا المجال، كما يشكو بالمقابل نقص هذه المصانع مما يعيق استفادة أكبر عدد ممكن من الباحثين في الصيدلة الراغبين في التخصص ما بعد التدرج. من جهته، يعتبر السيد محمد موزالي رئيس الجمعية المذكورة، أن هذا الحفل يعتبر ”ثمرة نجاح حقيقية للطلاب في الصيدلة ما بعد التدرج بعد إقرار الإصلاح الأخير على مسار الدراسات العليا في ذات التخصص. أما عن الجمعية العلمية التي يترأسها والسباقة إلى تنظيم حفل التخرج المذكور، فيقول ”جمعيتنا رأت النور في 2009 وبعد أربع سنوات من العمل الجمعوي الذي نقيمه بالمثمر، ارتأينا اليوم أن ننظم حفل تخرج لأول دفعة للدكاترة الصيدليين وحتى يكون تقليدا يحتذى به مستقبلا، لأن الصيدلي إنسان المجتمع، والدراسات الحديثة تشير إلى انه الشخص الأكثر ثقة في المجتمع والذي يطلع ويحافظ على أسرار المواطنين المترددين على الصيدليات هو الصيدلي نفسه، مقارنة بالمهن الأخرى كافة، وذلك لسهولة الوصول إليه واستشارته، إضافة إلى المعلومات المفيدة التي يستطيع تزويد من يتعاملون معه بها”. وتحمل الجمعية العلمية لطلبة الصيدلية هدف تقديم الدعم لطلبة الاختصاص الملتحقين بالكلية والبقاء همزة وصل بينهم وبين الأساتذة بما يخدم العلم والبحث العلمي. ويشير رئيس الجمعية إلى أن الأخيرة هي اليوم عضو في الفدرالية الدولية لطلاب الصيدلة الكائن مقرها بجنيف، ما يجعلها ممثلة للجزائر في كل الأنشطة التي تقوم بها الفدرالية وسط 84 بلدا آخر. والهدف من هذا الانتماء جعل كل البرامج التي تشرف عليها ذات الفدرالية الدولية في متناول الطلبة بكلية الصيدلة، وبالتالي البقاء على اتصال مع احدث البحوث العلمية والمعرفية في ذات المجال. ويوضح محدث ”المساء” من جهة أخرى، ان جمعيته الممثلة للجزائر، ستشارك خلال السنة الجارية في أربع لقاءات علمية متخصصة، ما يُمكّنها من إشراك حوالي 150 طالب في هذه اللقاءات والملتقيات، ومنها ما سيعقد تباعا في أمستردام، طوكيو، تنزانيا والإسكندرية، وتندرج هذه اللقاءات ضمن التكوين المتواصل للكفاءات العلمية وتبادل الخبرات بين الدول في المجال الصيدلاني وصناعة الأدوية وغيرها من المواضيع الكثيرة وذات الصلة، بما فيها العمل الجمعوي وآثاره في المجتمعات. في سياق متصل، تقول الآنسة نسيمة بلطاس عضو الجمعية، أن انخراطها في الجمعية سمح لها بأداء دور مهم في الجانب الإنساني، مكنتها الجمعية من اكتشافه في نفسها، فقد عملت نسيمة على تقديم عديد المساعدات للمسنين والنساء والأطفال وغيرهم على هامش أيام علمية حول بعض الأمراض ومن ذلك السل والسكري. نفس الشيء تشير إليه الآنسة ياسمين بن زعموش الطالبة بالصيدلة وعضوة بالجمعية، التي تقول ان العمل الذي تقوم به الجمعية يصب لصالح الطالب بتوفير المراجع والكتب للبحث العلمي، وكذلك العمل الإنساني الخيري الذي يكون بالتنسيق مع راعين يمثلون عدة جهات، ما سمح لها بالبقاء على اطلاع على العالم المهني من جهة، والعالم الخيري بتقديم مختلف المعلومات وتبسطيها للناس، وهو ما يخرج بمهنتهم عن المألوف نوعا ما، كون العديد من أفراد المجتمع يلجأون إلى الصيدلي دون الطبيب، ليس لأنه بائع أدوية فحسب، بل لأنه صاحب خبرة ودراية في الأدوية، خاصة عندما يتعلق الأمر بحالات مرضية بسيطة كالزكام أو البرد وغيرهما. أما المتخرجة مريم تلاورار، فتعتبر المناسبة بمثابة الحافز الحقيقي للمثابرة في ميدان العمل، الذي تؤكد أنها غير متخوفة منه إطلاقا لآن الكفاءة العلمية تفتح الأبواب لصاحبها، كما ان القول بانعدام فرص العمل خاطئ جدا ويهدف إلى الإحباط من العزائم وهو ما لا يتوفر عندها. وهو نفس ما يختم به سليم حديثه إلينا، بالتأكيد على ان الآفاق تفتح أمام الباحث لا محالة، شريطة التحلي بالتفاؤل وعدم الإنصات إلى الأصوات المشككة في كل ما هو خيّر في هذه البلاد.