يتوجه اليوم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة إلى مدينة آلغيرو بجزيرة سردينيا (إيطاليا) حيث سيترأس الوفد الجزائري في الاجتماع الجزائري -الإيطالي رفيع المستوى· وعشية هذه الزيارة خص رئيس الجمهورية وكالة الأنباء الإيطالية (أنسا) بحديث فيما يلي ترجمة لنصه الكامل: - تحتضن مدينة سردينيا يوم 14 نوفمبر أول قمة بين الجزائر وإيطاليا· كيف تقيمون سيدي الرئيس العلاقات الاقتصادية التي تربط بلدكم الجزائر بإيطاليا وما هي الجوانب التي ترتاحون لها وما هي الجوانب التي ترغبون في تغييرها أوتحسينها؟ * إن العلاقات الاقتصادية التي تربط الجزائر بإيطاليا ما فتئت تتعزز يوما بعد يوم· فمنذ توقيع بلدينا على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون سنة 2003 أضحت الأمور تتطور في اتجاه إرساء شراكة اقتصادية حقيقية· وقد ساهم في هذا التطور عودة السلم والاستقرار في الجزائر، حيث أصبح عدد المؤسسات الإيطالية التي تستقر في الجزائر يتزايد أكثر فأكثر· وفي هذا المضمار تم خلال السنوات الأخيرة إبداء الاهتمام بأربعين مشروعا استثماريا· لقد أصبح بلدكم اليوم ثاني زبون وممون لنا· وهذا أمر يبعث على الارتياح بالنسبة لكلا الطرفين بما أن أكثر من 120 مؤسسة إيطالية تنشط اليوم في الجزائر التي تعد من جانبها من ضمن أهم شركاء إيطاليا لاسيما في المجال الطاقوي· بيد أنه بوسعنا التقدم أكثر على طريق ترقية الشراكة الاقتصادية· وفي هذا المنظور ينبغي توسيع العلاقات التجارية التقليدية بشراكة حقيقية من أجل التنمية من خلال دعوة متعاملينا الاقتصاديين إلى تركيز جهودهم على القدرات غير المستغلة إلى حد الآن والتي يتمتع بها كلا البلدين مع اغتنام الطابع المتميز للعلاقات السياسية التي تربط الجزائر وإيطاليا· - لقد جعلت الحكومة من تطوير العلاقات مع دول المتوسط خصوصا الجزائر من أولوياتها· هل لمستم سيدي الرئيس تطورا حقيقيا في العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجزائر وإيطاليا؟ * لقد اتفقنا خلال زيارة صديقي رومانوبرودي إلى الجزائر في نوفمبر 2006 على إعطاء دفع للتعاون الثنائي· فكل الظروف مهيأة لذلك من إطار قانوني محفز ويبعث على الارتياح وإرادة سياسية قوية وتقارب جغرافي وقدرات اقتصادية يزخر بها بلدانا إضافة إلى الصداقة التقليدية بين شعبينا· فالجزائريون لن ينسوا أن بلدكم كان من بين أولى الدول الأوروبية إبداء لموقف لا تشوبه شائبة في وقت كانت الجزائر تمر بوضع مأسوي خلال العشرية الفارطة· إن حصيلة علاقاتنا الثنائية حاليا مرضية للغاية وفي كل القطاعات· فهي تتميز بحوار وتشاور سياسي دائمين إلى جانب تعاون اقتصادي وتقني وثقافي نوعي لا يستثني أي مجال· فنحن جد مرتاحين لما نقف عليه من تطور في التعاون الثنائي لاسيما منذ سنة 2000· وبطبيعة الحال لا يزال هناك مضمار شاسع لتعزيز التعاون وأقصد بذلك على وجه الخصوص الإمكانيات المعتبرة المتوفرة في مجال الاستثمارات في الجزائر والتي لازالت غير مستغلة على أكمل وجه من قبل المؤسسات الإيطالية لاسيما المؤسسات والصناعات الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع فيها إيطاليا بسمعة عالية· إن هذا بطبيعة الحال يشكل هدفا نتقاسمه كليا ونواصل السعي من أجله مع كل شركائنا المتوسطيين خاصة أولئك الذين تجمعنا بهم وجهات نظر مشتركة وعلى رأسهم إيطاليا بالطبع· - إن الجزائر تعد أول ممون بالغاز بالنسبة لإيطاليا· فما هي المرحلة التي بلغها مشروع إنجاز أنبوب الغاز "غالسي"؟ * فعلا الجزائر هي أول ممون بالغاز بالنسبة لإيطاليا· إن إنجاز أنبوب الغاز البحري الثاني "غالسي" الذي سيربط مباشرة بين البلدين سيعزز علاقاتنا الاقتصادية أكثر فأكثر· إن أول خطوة نحو إنجاز هذا المشروع سيتم اجتيازها بألغيرو من خلال التوقيع على الاتفاق الحكومي المشترك ذي الصلة والذي تم استكماله بين الجانبين· وسيشكل هذا المرفق الاستراتيجي الذي سيضاف إلى أنبوب الغاز الأول "أنريكوماتيي" الحلقة الثانية التي ستربط بين بلدينا وتعزز مصيرهما المشترك· - وصل في غضون الأشهر الأخيرة عدد من المهاجرين غير الشرعيين الجزائريين بحرا إلى إيطاليا لاسيما من الجهة الشرقية لبلدكم ما هي بحسب رأيكم سيدي الرئيس الحلول الكفيلة بحل مشكل الهجرة غير الشرعية في بلدان الإتحاد الأوروبي وكذا في الجزائر التي تعد بلد العبور والانطلاق ولكن كذلك وجهة للهجرة غير الشرعية؟ * لقد أضحت الهجرة غير الشرعية أحد أكبر انشغالات المجتمع الدولي فإذا كان من البديهي أن الأسباب معروفة ومحددة، فإن الحلول المقترحة لازالت بعيدة عن الاستجابة لإشكالية معقدة وحساسة وذات أبعاد متعددة· إن حل هذه الظاهرة لا يمكن بطبيعة الحال أن يتأتى عبر معالجة أمنية محضة فالعلاقة بين الهجرة غير الشرعية والتنمية تبدو لي جلية وإنه لمن مصلحتنا جميعا العمل سويا لإيلاء هذه العلاقة ما يجدر بها من أهمية· إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية تشكل من هذا المنطلق الإجابة المناسبة لهذه الظاهرة العالمية إلا أن النتائج لن تأتي إلا على المدى الطويل· أما في الوقت الحالي فيبدو لي أنه من الحكمة أن نجتنب المقاربات غير العقلانية لهذه المسألة لكونها تفضي أحيانا إلى استغلالها سياسيا· ومن ثمة ينبغي أن تعالج في جو من الهدوء من خلال تعاون سليم بين البلدان المعنية في ظل احترام الكرامة الإنسانية وسيادة كل واحد وذلك ما شرعت فيه الجزائر محرزة نجاحا أكيدا مع شركائها الأفارقة والتي تنوي مواصلته مع شركائها من الضفة الشمالية· - بعد مرور سنتين على مباركة الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية ما هو تقييمكم سيدي الرئيس لحصيلة الوضع الأمني بالجزائر وهل يشكل إعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال انضمامها إلى القاعدة خطرا بالعودة إلى العنف الإرهابي؟ * اسمحوا لي أولا أن أذكركم بأن الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية جاء ليمدد المبادرة التي أعلنتها سنة 1999 والتي زكاها الشعب الجزائري عن طريق استفتاء في سبتمبر من نفس السنة· إنها حركية تهدف إلى تجاوز الأزمة الخانقة التي عرفتها البلاد خلال عشرية التسعينيات وبصفة نهائية· لقد كان هدفي الأول قبل انتخابي وضع حد لإراقة الدماء· إن نتائج السياسة التي انتهجتها منذئذ تبدو اليوم جلية لاسيما فيما يتعلق بتراجع التهديد الإرهابي والتحسن المطرد للوضع الأمني وما انعكس عن ذلك من آثار إيجابية على الوضع الاجتماعي ومناخ الأعمال وعودة الاستثمارات· كما أؤكد مرة أخرى بأن المصالحة الوطنية التي أصبحت اليوم حقيقة قد تكفلت بالضحايا، كل ضحايا المأساة الوطنية وتبقى مسارا ديناميكيا لا يمكن حصره في اعتبارات إحصائية بل يتعين على الشعب الجزائري أن يعمقه من أجل إبعاد شبح الفرقة بصفة نهائية· بيد أن تهديد عودة ظهور الإرهاب يبقى قائما ولا يقتصر على المغرب العربي برمته فحسب، بل يمتد إلى كل المعمورة· ولهذا فإن يقظتنا لن تتزعزع قيد أنملة كما أن ذلك لن يثني من عزيمتنا في محاربة هذه الآفة بكل ما أوتينا من إمكانيات· - قبيل أقل من شهر على موعد تنظيم الانتخابات المحلية المقبلة ما هو تقييمكم سيدي الرئيس لحصيلة الوضع السياسي بالجزائر وماذا تتوقعون بعد سنة 2009 وهل هناك شخص ترونه كخليفة لكم مستقبلا يمكن أن يتولى زمام الأمور في البلاد بعدكم؟ * إن مسار الإصلاحات السياسية الذي باشرته الجزائر قد أفضى إلى ترسيخ الديمقراطية وتكريس التعددية الحزبية وتعزيز دولة القانون والحكم الراشد وحرية التعبير والصحافة ودعم المؤسسات الديمقراطية على المستويين المحلي والوطني بما يسمح بإشراك المجتمع المدني بشكل أكبر في عملية تسيير الشؤون العامة· وتمارس هذه المشاركة يوميا في إطار الهيئات المنتخبة ديمقراطيا، حيث تمثل بصفة قانونية مختلف الأطياف السياسية· وفي هذا الإطار بالذات تندرج الانتخابات المحلية المقبلة التي تعد بالتأكيد مرحلة هامة في مسار تجديد الهيئات المنتخبة مثلما تساهم في تعزيز مكاسب الديمقراطية في بلادنا· أما فيما يخص الشق الآخر من سؤالكم أرى أنكم تريدون استدراجي إلى مزايدات لا جدوى منها في الحقيقة· لذا لن أطاوعكم في ذلك إلا أنني أؤكد تمسكي في كل الظروف باحترام سيادة الشعب الجزائري والطرق الديمقراطية الكفيلة بالتعبير عنها·