تبدأ يوم غد بالعاصمة اليمنية صنعاء أشغال أول مؤتمر للحوار الوطني الشامل تشارك فيه مختلف الفعاليات السياسية والقبلية، مما يكسبه أهمية خاصة في تحديد مستقبل البلاد ويضع أول خطوة على مسار فترة الانتقال السياسي في هذا البلد. وتنبع أهمية هذا المؤتمر كونه سيضع أسس بناء دولة اليمن الجديدة بعد الأحداث الدامية التي عرفتها في سياق الربيع العربي، وانتهت بما أصبح يعرف بالمبادرة الخليجية التي وضعت في نوفمبر 2011 حدا لأكبر أزمة سياسية وأمنية يعرفها هذا البلد في عهد الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ولأن المهمة لن تكون سهلة في ظل حجم المشاكل التي تعرفها اليمن وتعقيدات مشاكله الأمنية والاقتصادية وحتى الطائفية، فإن أشغال هذا المؤتمر ستمتد على مدى ستة أشهر كاملة وتشهد يشارك فيه 565 مندوبا يمثلون الأحزاب السياسية والمحافظات الجنوبية المطالب سكانها بالاستقلال، بالإضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة وممثلون عن المجتمع المدني. ويحظى المؤتمر بأهمية بالغة ليس فقط من طرف اليمنيين أنفسهم، ولكن أيضا من دول الجوار كونه سيبحث القضايا والمشاكل العالقة والذي على أساس نتائجه سيتم البدء في تجسيد الخطوات اللاحقة، ومنها وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات عامة شهر فيفري من العام القادم، وبالتالي وضع حد لمرحلة انتقالية كانت بدأت في فيفري 2012 وفق مضمون المبادرة الخليجية. وتعقد هذه الندوة في ظروف استثنائية يمر بها اليمن بسبب التصعيد الأمني الذي فرضه عناصر تنظيم القاعدة في جنوب البلاد وأيضا الحراك الجنوبي الرافض لهذه الندوة ويصر على الاستقلال، في وقت مازالت أوضاع الشمال ومشاكل السلطات المركزية في صنعاء مع الحوثيين قائمة كما كانت دون حل واضح المعالم. وهو ماجعل التجربة اليمنية محل اهتمام المجموعة الدولية، إلى درجة جعلت قوى كبرى تحذر كل يمني يعمل على عرقلة الحوار الوطني الذي يعمل الرئيس الانتقالي هادي منصور على تحقيقه. ورغم الوعيد الدولي فإن مهمة الرئاسة الانتقالية في صنعاء ستكون صعبة إن لم نقل مستحيلة، إذا أدركنا حدة القضايا التي ستطرح على طاولة النقاش وتعقيداتها بدء بقضية استقلال الجنوب والمشاكل الطائفية في منطقة صعدة في الشمال، بالإضافة قضايا وطنية كالعدالة الانتقالية وبناء الدولة والحكم الراشد وبناء الجيش والأمن واستقلالية الهيئات والحقوق والحريات العامة والتنمية المستدامة. وإذا كانت قضايا التنمية وبناء مؤسسات الدولة اليمنية على أسس ديمقراطية تبدو سهلة التحقيق، فإن المعضلة الكبرى التي ستطرح للنقاش تبقى معضلة، ماأصبح يعرف بالحراك الجنوبي الذي يطالب أصحابه بالاستقلال. ويصر علي سالم البيض الرئيس السابق لليمن الجنوبي على انفصال هذا الجزء والعودة إلى دولة الجنوب التي كانت مستقلة إلى غاية عام 1990، السنة التي شهدت التوقيع على اتفاقية الوحدة بين شطري اليمنيتين، قبل أن يلجأ الجنوب إلى محاولة انفصالية انتهت بحرب صيف 1994، وتمكن الشمال من إجهاض تلك المحاولة في مهدها. وقد حتمت تلك المطالب على اللجنة التحضيرية للحوار تأجيل موعد انطلاق الحوار حتى تحصل على موافقة قيادات الحراك الجنوبي المشاركة فيه، والتي تصر على رفضها المشاركة في فعالياته. وفي تأكيد لهذا الرفض فرضت عناصر مسلحة تابعة للحراك الجنوبي عصيانا مدنيا في عدد من مدن الجنوب رغبة منها في تصعيد الحراك عشية انطلاق مؤتمر الحوار الشامل . وأكد شهود بمدينة عدن عاصمة اليمن الجنوبي السابق، إقدام مسلحين على إغلاق الشوارع والمحلات التجارية ومداخل ومخارج مدن حضرموت ومكلا والمنصورة وخور مكسر والمعلا وكريتر، ومنعت حركة السير وأحرقت الإطار في أجواء تخللها إطلاق نار كثيف من طرف عناصر الحراك المسلح، ومن قبل قوات الأمن والجيش التي تحاول فك الطرقات وإنهاء العصيان بالقوة. وإذ كان منشطو الحراك الجنوبي يصرون على مواصلة حراكهم ومطالبهم، فإن الحوثيين أبدوا ليونة في مواقفهم وقرروا المشاركة في المؤتمر الوطني الشامل للحوار الوطني. وسبق للبرلماني عبد الكريم جدبان ممثل الحوثيين في اللجنة الفنية للحوار الوطني، أن أكد أن الحوثيين يؤيدون الحوار مع كل الفرقاء، داعين لإنصاف قضية صعدة من خلال مناقشتها على طاولة الحوار الوطني مثل القضية الجنوبية.