هو من صناع أمجاد الأغنية الجزائرية بكلماته المرتبة بحكمة، ونظم الأوزان في بحور وقواف تشنف لها الأذان، مصطفى تومي الذي كتب رائعة ”سبحان الله يا لطيف” لعميد أغنية الشعبي، محمد العنقاء، سنة 1970، وقدم ”شيي غيفارا” لمحمد العماري، ”يا دلال” لنادية، ”كي اليوم كي البارح” لعمر العشاب وكتب لوردة أغنية ”الصومام”، وغيرها من الأغاني، قد وافته المنية ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء بمستشفى مصطفى باشا بالجزائر العاصمة، عن عمر ناهز 76 سنة بعد صراع طويل مع المرض. وهب الفنان مصطفى تومي حياته لخدمة الثقافة الوطنية سواء في مجال الأغنية أو البحوث العلمية واللسانية، إضافة إلى نضاله لتحرير الجزائر، فهو من مواليد 14 جويلية سنة 1937 بحي القصبة (بير جباح)، زاول دراسته بمدرسة ”سودان” ثم ”بالي”، إلى أن التحق بمدرسة ”سان لوي” التي كان لها صيتها في العاصمة، منذ صغر سنه شارك في الحصص الصبيانية بالإذاعة، خاصة في الألعاب وأداء المسرحيات باللغة العربية، الأمازيغية والفرنسية، وتفتقت موهبته الشعرية منذ الصغر، فقد برع في الشعر بالفرنسية، إذ نشرت له جريدة ”ألجي ربوبليكان” في بداياته وكان يتعامل فيها مع أكبر الكتاب أمثال ”ألبير كامو”. وكان الفقيد متأثرا بحياة والده الحلاق الذي كان بطلا، حيث استطاع في الحرب العالمية الثانية أن يشارك في تحرير مدينة باريس، بدوره بدأ تومي نضاله السياسي في ال17 من عمره، فقد كلفه قادة الثورة بمهمة الاتصالات بباريس وتونس ثم كلفه الراحلان بوصوف ودحلب بالعمل بإذاعة الناظور السرية بالمغرب ليكتب ويقرأ البيانات باللغة الأمازيغية والفرنسية. بعد الاستقلال، عمل بعدة عناوين وطنية، كما عمل بوزارة الثقافة مع بشير بومعزة ثم مع الصديق بن يحيى كمستشار تقني، شارك السيد تومي في تنظيم المهرجان الإفريقي الناجح الذي احتضنته الجزائر بمشاركة فنانين عالميين، وكتب أغنية ”أفريكا” لمريم ماكيبا سنة 1969، كما تكفل بتنظيم مهرجان الأغنية الشعبية والشعر الملحون الذي لا يزال صداه إلى اليوم. مصطفى تومي ضليع في اللغة العربية الفصحى، وهو مطلع جيدا على أمهات الكتب في اللغة العربية والشعر العربي الكلاسيكي، لا يميل هذا الفنان إلى الثقافة الشعوبية، وإنما تجذر في الثقافة الشعبية ذات الأسس العلمية. صاحب ”سبحان الله يا لطيف” و«قلبي يا بلادي لا ينساك”، معروف عنه كذلك أنه قدم كلمات أغان لأشهر الملحنين الجزائريين أمثال شريف قرطبي، وكتب العديد من القصائد لأسماء لامعة في الساحة الفنية ك«أفريكا” لمريم ماكيبا وأغنية ”الصومام” التي كتبها للفنانة الكبيرة وردة الجزائرية، بمناسبة إحياء الذكرى الثلاثين لمؤتمر الصومام التي اختارتها من بين العديد من القصائد التي عرضت عليها آنذاك وغنتها كاملة. وفي مجال السينما، قدم سيناريوهات وحوارات لعدة أعمال منها ”الشبكة” التي احتوت على أغنية المشهورة ”رايحة وين؟”، وفيلم”المفيد” لعمار العسكري، في مجال البحث الأكاديمي قدم عدة أبحاث منها ”اللسانيات المقارنة”، و«علاقة اللغات السامية والهندو أروبية”، و«ساكسريت اللغة المقدسة”، إضافة إلى دراساته في علم النفس. وقد تقدمت وزيرة الثقافة، السيدة خليدة تومي، إلى عائلة الفقيد وكل عائلة الأسرة الفنية ”بخالص عبارات التعازي والمواساة”، داعية المولى العزيز القدير أن يتغمد الفقيد برحمته الواسعة وأن يلهم ذويه وكل العائلة الفنية جميل الصبر والسلوان.