أكد رئيس المجلس الشعبي الوطني، السيد العربي ولد خليفة، أمس، أن الجزائر التي ترفض أن يملى عليها نهجها الإصلاحي، لا تتدخل في شؤون غيرها من الدول "سواء أكان التحول فيها يحدث في الشتاء أو في الربيع"، وأوضح في سياق متصل بأن الإصلاحات السياسية التي انطلقت في 1988 في الجزائر كانت بطلب من الشعب وليس بضغط من الخارج، وتسارعت وتيرتها مع انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ووصلت إلى محطة هامة بعد خطابه في 2011. وذكر السيد ولد خليفة في كلمته الافتتاحية للمتلقى الدولي حول الإصلاحات السياسية الذي تتواصل أشغاله بفندق "المدار" بنادي الجيش بالعاصمة، بأن الجزائر تبنت منذ استقلالها في 1962 مبدأ عدم التدخل في شؤون الشعوب الأخرى والالتزام باحترام خيارات كل شعب، وأضاف بأنه من هذا المنطلق فالجزائر ترفض أن يملي عليها أي كان سياساتها ونهجها في الاصلاح السياسي والاقتصادي، مشيرا بالمناسبة إلى ما أفضى إليه التدخل الخارجي في بعض بلدان المنطقة وخارجها من زعزعة استقرار وفوضى، ووصل الأمر في بعضها إلى حرب أهلية مدمرة. وفي حين أبرز أهمية التعرف على تجارب البلدان في مجال الإصلاح السياسي والتقدم نحو الحكم الراشد وحقوق المواطن والانسان، أعرب رئيس الغرفة البرلمانية الثانية عن قناعته بأنه لا وجود لوصفة خاصة للديمقراطية ولا وجود لديمقراطية كاملة، على اعتبار أن كل شعب له تجربته الخاصة وفق تاريخه واختياراته السياسية والاجتماعية والقيم الثقافية السائدة فيه، موضحا بأنه بالرغم من ذلك فإن الجزائر ومن خلال تنظيمها للقاءات التي ترمي إلى الاستفادة من تجارب الدول الشقيقة والصديقة تسعى إلى الاقتراب من النموذج المثالي للديمقراطية. وبالمناسبة، أشار المتحدث إلى أن مسار الإصلاحات السياسية في الجزائر تطور بشكل متصاعد منذ سنة 1988 "بطلب من الشعب وليس بضغط من الخارج"، وانطلق سنة 1989 بانتقال النظام السياسي الجزائري إلى التعددية الحزبية، وذكر في هذا الصدد بأن "ذلك الانفتاح بلا حسيب ولا رقيب من القانون سمح لبعض الأطراف بأن تنحرف بتلك التجربة إلى تهديد المسار الديمقراطي وفرض اتجاه واحد بالقوة وتهديد كل من يخالف ذلك الرأي"، مضيفا أن ذلك الانحراف لم يعرقل المسار الديمقراطي فحسب، بل أدى إلى عزل الجزائر وتعميم الإرهاب ضد الدولة والمجتمع كله وشل الاقتصاد الوطني، واتهمت بعض الأوساط في الخارج قوات الجيش والأمن بتجاوزات وأصبح الضحية في نظرها هو المتهم". وبعد أن ذكر بكفاح الشعب الجزائري ضد الإرهاب الأعمى لمدة تجاوزت العشر سنوات، مع تأكيده لقناعة الجزائريين بأن الدين الإسلامي هو النقيض للتطرف والإرهاب، أوضح السيد ولد خليفة بأن الإصلاحات السياسية تسارعت وتيرتها في الجزائر بعد انتخاب رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، واتضاح معالم الطريق بعرضه لمشروع المصالحة الوطنية وعودة الأمن والاستقرار لربوع الوطن، ليدخل مسار هذه الإصلاحات -حسبه- محطة هامة بعد خطاب رئيس الجمهورية في سنة 2011، وإجراء الانتخابات التشريعية والمحلية في 2012. وفيما استعرض أولى نتائج قوانين الإصلاح السياسي، التي أفرزت مجلسا شعبيا وطنيا يضم 27 حزبا تميز بارتفاع العنصر النسوي لأكثر من 30 بالمائة، أبرز رئيس المجلس الشعبي الوطني أهمية أحزاب المعارضة في الساحة الوطنية، معتبر في هذا الصدد "إبعاد المعارضة أو دفعها للتعبير عن رأيها من الخارج يقلل من مصداقية المؤسسة التشريعية والحكومة معا". من جانبه، أشار وزير الخارجية، السيد مراد مدلسي، في كلمته للملتقى، قرأها نيابة عنه السفير المستشار جمال الدين قرين، إلى أن الإصلاحات السياسية في الجزائر نالت ترحيبا من قبل المجتمع الدولي الذي قدر رجاحة المسعى وإرادة الانخراط في النظم والممارسات المعترف بها عالميا، مؤكدا في نفس السياق بأن الجزائر من حقها أن تفتخر بالتقدم المسجل في مجال تعزيز الديمقراطية والحكم الراشد. كما ذكر الوزير بأن الجزائر كانت رائدة في خوض التجربة الديمقراطية من خلال الانفتاح السياسي في محيط وطني وإقليمي ودولي مغاير عما نعيشه اليوم، وشرعت في انتهاج المسار الديمقراطي منذ عقدين من الزمن، وأوضح بأن مسار تعميق الإصلاحات السياسية الذي أعلن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة نيته في إطلاقه في 15 أفريل 2011 شمل مراجعة شاملة للترسانة التشريعية التي تبنى عليها قواعد الممارسة الديمقراطية والاختيار الحر للمواطنين، مشيرا في هذا الصدد إلى سلسلة التعديلات التشريعية والدستورية التي شرعت فيها البلاد بعد استشارات واسعة حرص رئيس الدولة على تنظيمها قبل أن تتم صياغة مشاريع القوانين. وعرفت أشغال الجلسة الافتتاحية للملتقى للدولي الذي يشارك فيه أعضاء من البرلمان الجزائري وممثلون عن برلمانات 10 دول، مداخلات لعدد من الضيوف على غرار رئيس غرفة النواب المالطي، السيد أنجيلو فاروجيا، الذي أبرز متانة العلاقات الجزائرية-المالطية، المؤطرة باتفاقية 1977، مشيرا إلى أن التقدم الذي تعرفه بلاده بعد تخلصها من التواجد البريطاني، ساهمت فيه الجزائر بفضل تضامنها ومواقفها الداعمة للقرار السيادي الذي اتخذته مالطا لإنهاء ذلك التواجد العسكري الأجنبي. وفيما أثنى على مسار تعميق الإصلاحات الذي تخوضه الجزائر لتعزيز الديمقراطية، دعا السيد فاروجيا إلى تبادل الخبرات وتعزيز التعاون بين دول المتوسط في مختلف المجالات، مؤكدا بأن مالطا على يقين بأن الجزائر قادرة على مواصلة الرقي والتقدم من خلال مسار الاصلاحات السياسية والتشريعية. بدوره، أشاد نائب مجلس الشورى الإيراني، غلام رضا مصباحي مقدم، بالمواقف الدبلوماسية للجزائر تجاه العديد من القضايا الدولية، ولاسيما تلك التي تخص بلاده والقضيتين الفلسطينية والسورية، مبرزا أهمية الإصلاحات السياسية والتشريعية التي تنتهجها الجزائر، والتي ينبع جوهرها -حسبه- من "الإرادة الشعبية لصد أي تدخل أجنبي". كما أثنى رئيس غرفة التعاون بالبرلمان، الاندونيسي سو رحمان هدايات، على الإصلاحات الجارية بالجزائر واعتبرها خطوة متقدمة نحو الإصلاح الشامل، مذكرا بالمناسبة بتجربة بلاده التي قال بأنها قامت بإجراء 4 تعديلات دستورية في 4 سنوات، فيما أبرز عضو غرفة النواب المغربي وديع بن عبد الله أهمية الملتقى الدولي حول الإصلاحات في الجزائر في تجديد التشاور وتبادل الخبرات وترسيخ التعاون الجزائري-المغربي في إطاره الثنائي وفي إطار بناء المغرب العربي.