بادرت الجمعية الفنية الثقافية “الألفية الثالثة”، أول أمس بقاعة سينماكازينو بالعاصمة، بتنظيم حفل تكريمي على شرف ثلاثة فنانين هم الحاج محمد لعقاب وزهير عبد اللطيف ومحيي الدين بن طير، الذين يمثلون جيلا أعطى الكثير للفن الجزائري. قبل انطلاق الحفل تحدثت “المساء” إلى الأستاذ محيي الدين بن طير واضع شعار مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الذي عبّر عن امتنانه لهذه الوقفة التي تصادف عيد ميلاده ال 79 يقول: “خانتني دموعي عندما سمعت خبر تكريمي، فأنا لم أحظ بهذا الشرف طيلة مشواري الفني، فشكرا للجمعية جزيل الشكر. الأستاذ بن طير رجع بذاكرته إلى سنة 57 عندما كان يعمل بالتلفزة الوطنية كمعد للبرامج، ويتذكر أول ظهور للمذيعة القديرة أمينة بلوزداد التي كان في حصتها سنة 1958. واصل عمله بعد الاستقلال فوضع شعار الإذاعة والتلفزة وأعدّ حصصا في الألعاب والمنوعات محيي الدين كان مغنيا معروفا خاصة قبل الاستقلال، تعرض للمضايقات والاستجوابات المتكررة في مراكز الشرطة الفرنسية نتيجة أغانيه الوطنية، ويقول في هذا الصدد “كنت أغني لأدعم إخواني بالسجون؛ مثلا غنيت أغنية موجهة لمسجون أخطابه فيها برقمه (ترقيم) وأشجعه وأحثه على الكفاح والصمود، وعندما استجوبت قلت إنها أغنية ترجمتها لمغني فرنسي معروف”جيلبار بيكو” كان بها رقم يرسله إلى حبيبته، وهكذا كنت في كل مرة أتحايل لأنجو من قبضة العدو”. كشف المتحدث عن آخر مشاريعه، وهي أغنية من كلماته وتلحينه بعنوان: “بنات الثورة” كجميلة بوباشا وبوحيرد ومليكة ڤايد التي هي من أقاربه، الأغنية ستكون ضمن الألبوم، إضافة إلى كتاب يستعرض بطولات تلك الحرائر. الفنان أكد أنه كان دوما معجبا بدور المرأة الجزائرية في كل الميادين، علما أنه ساهم منذ عقود في تأسيس فريق رياضي نسوي. ذكريات كثيرة مع ألمع الفنانين والمثقفين يذكرها محيي الدين؛ منهم مصطفى كاتب الذي قال عنه إنه متقدم على زمانه ب 20 عاما، كما يتذكر حصصه التي قدم فيها فنانين جزائريين في بداياتهم؛ منهم أڤومي وسعيد حلمي وغيرهما. المكرم الثاني الذي حدّثته “المساء”، هو الأستاذ زهير عبد اللطيف، الذي اعتبر أن تكريم الإنسان في حياته أهم وأكبر أثرا من تكريمه بعد رحيله. عاد سي عبد اللطيف بذاكرته إلى سنوات الإذاعة سنة 1951 مع رضا فلكي رحمه الله، وكذا في المسرح العربي مع الراحل الطاهر فضلا ومع غيرهم من الذين تكوّن على أيديهم المتحدث واستفاد من تجاربهم طوال حياته. يتذكر عبد اللطيف جيدا يوم 28 أكتوبر 1962 حينما التحق بالعمل ثانية بالاذاعة الوطنية ورفض الالتحاق بالسلك الديبلوماسي، حيث يقول :«اقترحت علي وزارة الخارجية آنذاك الالتحاق بالنقيب سي خالد الذي عين سفيرا للجزائر بالعراق، لكنني رفضت لأن هميّ كان المكوث في بلادي التي كنت مشتاقا إليها”. بعدها تمّ استدعاء سي عبد اللطيف من قبل الراحل عيسى مسعودي ليعيّنه على رأس القناة القبائلية، ثم جاء الراحل محمد الصدّيق بن يحيى الذي أطلق على القناة القبائلية “القناة الثانية” وعلى العربية “القناة الأولى”، وهذا ليخالف التسمية الاستعمارية. هكذا بقي عمي عبد اللطيف 14 سنة على رأس القناة الثانية، ليطلب بعدها الاعفاء من منصبه لدى الوزير الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، لكن هذا الأخير رفض بلباقة لأنه كان يرى في عبد اللطيف الكفاءة فاستمر في منصبه 20 سنة. أثناء ترؤسه للقناة الثانية عمل عبد اللطيف في التلفزة الوطنية وسجّل عدة أعمال خاصة في الستينيات منها “جنة الأطفال” مع الراحل حدّاد الجيلالي (1967)، وقدّم حصة ألحان وشباب الذي كان أول من يعدّها بعد الاستقلال (63 - 64) وقدّم حصصا رياضية وشبابية وغيرها، كما عمل مستشارا رفقة الدكتور محمد العربي ولد خليفة في أمانة الفنون والثقافة الشعبية. حاليا يصوّر عمي عبد اللطيف مسلسلا من 10 حلقات بعنوان: “الفصيلة (وتعني الفصيلة الدموية) تروي أحداثه قصة مجاهد تنقّل من منطقة خراطة ببجاية قاصدا العاصمة، وصل به المطاف إلى شارع عميروش الذي عمل معه إبان الثورة وهو في غمرة الذكريات، تنفجر قنبلة مدوية بالشارع أمام مركز الأمن الوطني فيصاب ويدخل في غيبوبة، وفي المستشفي يبحثون له عن الدم فيقول إنه من فصيلة (A.L.G) أي الحروف الأولى للجزائر لأنها تسكن دمه. سي عبد اللطيف، أشار إلى أن المشاهد صُوّرت بمستشفى مصطفى الجامعي، وبمستشفى مايو وسركاجي والتصوير حاليا جار بولاية سطيف، على أن يعرض العمل في الفاتح نوفمبر. من بين المكرمين أيضا المطرب الشعبي الحاج محمد لعقاب الذي أعطى الكثير للأغنية والذي بقي مطلوبا عند العائلات العاصمية، وقد عبّر عن فرحته بهذا التكريم الذي جمعه بأبناء جيله الذين اشتاق إليهم. انطلق الحفل بدخول الزرنة التي رافقت المكرمين ليقدّم بعدها المنشط مراد زيروني برنامج الحفل ويرحب بالمشاركين ملتفتا إلى المكرمين الذين بقوا على المنصة قائلا لهم :«أنتم من العيار الثقيل قدمتم أعمالا بارزة لا تمحى من الذاكرة، ولنبدأ بتحية أكبر هؤلاء المكرمين وهو بن طير”. نشطت الحفل فرقة موسيقية بقيادة عبد الكريم، وكان أول من صعد المنصة المطرب الشعبي عبد الرحمن القبي، الذي قدم كوكتال شعبي تجاوب معه الجمهور الغفير، ليلتفت بعدها للمكرمين ويحييهم خاصة لعبد اللطيف زهير الذي بدأ مشواره الغنائي عنده، وأدّى أول أغنية له بالإذاعة عندما كان عبد اللطيف مسؤولا بها. الفنان ناصر مقداد، أبدع كعادته في الشعبي، كما أدى أغنية “من غيرك يا دزاير” وأغنية ليحياتن. الفنان محمد العماري جال وصال في القاعة محييا الجمهور، واستهل برنامجه ب “جزائرية” تحت التصفيقات الحارة والزغاريد، حيّا المكرمين وقبّلهم بحرارة فهم أبناء جيله؛ منهم بن طير الذي بدأ معه في الأغنية الجزائرية العصرية في بداية الخمسينيات. تقدّمت بعدها الفنانة دليلة نعيم في وصلة من موسيقى الحوزي اختارتها من تراث الراحلة فضيلة الدزيرية، استهلتها باستخبار “وين أنا ووين حبابي” كرّم الفرسان الثلاثة وعلامات التأثر بادية عليهم، بحضور الأسرة الفنية والجمهور من مختلف الأجيال، ليتسلموا الورود اعترافا بما قدّموه لها.