ينتظر أن يكون مستقبل العلاقة بين الدول الإفريقية ومحكمة الجنايات الدولية، بداية من يوم غد الجمعة، على طاولة مناقشات قادة دول الاتحاد الإفريقي، على خلفية الملاحقة القضائية التي تطال العديد منهم بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وضد الإنسانية. وينتظر أن يعكف وزراء خارجية دول الاتحاد الإفريقي الأربعة والخمسين على مناقشة هذه القضية الشائكة يوم غد على أن يطرحوها على مكتب القمة التي ستلتئم بعد غد السبت للبت فيها. وتعد هذه هي المرة الأولى التي تطرح فيها هذه القضية منذ إنشاء هذه المحكمة الموجود مقرها بمدينة لاهاي الهولندية والتي أنشئت خصيصا لملاحقة روؤساء وقيادات جيوش دول العالم في حال ثبتت في حقهم تهم جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. وتوترت العلاقة بين هذه الهيئة القضائية الدولية وعواصم مختلف الدول الإفريقية إلى درجة جعلت بعضها لا تمتثل لقراراتها من أجل التعاون للقبض على بعض الرؤوساء والمسؤولين الأفارقة. ويبدو أن العلاقة مرشحة لان تعرف تصعيدا قادما إلى درجة جعلت بعض المصادر الإفريقية لا تستبعد انسحابا جماعيا من هذه المحكمة التي رأوا أنها تجاوزت صلاحياتها بعد أن حشرت "أنفها" في قضايا داخلية. ولكن مثل هذا المسعى بدا يثير مخاوف المنظمات الحقوقية التي تحركت محذرة من هذا التحرك وبالتالي عدم التعامل مع محكمة الجنايات الدولية بقناعة أن ذلك سيؤدي إلى انتشار سياسة اللاعقاب ضد مقترفي الانتهاكات هنا أو هناك في أية دولة من دول القارة الإفريقية. وعرفت العلاقة بين عدد من العواصم الإفريقية ومحكمة الجنايات الدولية تصعيدا منذ شهر ماي الماضي عندما أدرجت الرئيس الكيني اوهورو كينياتا ونائبه وليام روتو مباشرة بعد انتخابهما ضمن قائمة المطلوبين لديها بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وهو ما وصفته الدول الإفريقية بأنه تحامل على بلدان القارة الإفريقية دون غيرها من الدول الأخرى. وتتهم العديد من الدول المحكمة بانتهاج "عدالة المكيالين" حيث تشدد خناقها على بعض الساسة والعسكريين في بعض الدول الفقيرة ولكنها تغض الطرف عن سياسيين وعسكريين في دول كبرى. وكان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وإقدام قوات الاحتلال نهاية سنة 2008 على إبادة 1500 فلسطيني بالفسفور الأبيض أكبر امتحان فشلت فيه المحكمة بعد أن التزمت صمتا "متواطئا" ولم تحرك ساكنا لاتهام جنرالات جيش الاحتلال باقتراف جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد أطفال ونساء فلسطينيين. وهو ما جعل الوزير الأول الإثيوبي (الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي) هايلي ماريام ديساليني يؤكد أن موقف المحكمة ينم عن عداء عنصري بدليل أن الأفارقة فقط هم الذين اتهموا وتمت إدانتهم من طرفها. واتهمت المحكمة الدولية الرئيس الكيني ونائبه باقتراف جرائم ضد الإنسانية بتهمة التسبب في مقتل 1000 مواطن في مواجهات عرقية اندلعت بعد انتخابات سنة 2007. وهي الملاحقات التي تنتظر الرجلين في وقت مازال فيه الرئيس السوداني عمر حسن البشير مطاردا والرئيس الليبيري الأسبق شارل تايلور يمثل أمامها هذه الأيام بنفس التهم. ولكن الدعوة إلى الانسحاب من هذه الهيئة القضائية لم يرق للامين العام الاممي السابق كوفي عنان الذي رأى في المسعى "عارا في جبين القارة الإفريقية" لأنه يعطي الاعتقاد أن الدول الإفريقية تخلت عن التزاماتها بترقية وحماية حقوق الإنسان ورفضها منطق اللاعقاب. وهو الموقف الذي أيدته فيه أكثر من 130 منظمة وجمعية ناشطة في مجال حماية حقوق الإنسان في العالم. ولكن هل ستلقى هذه الدعوة إلى الانسحاب التجاوب المنشود وخاصة من دول افريقية كانت السباقة الى الانضمام الى عضوية المحكمة مثل غامبيا أو بوتسوانا بل أن بعضها كانت من الدول المؤسسة لأول محكمة جنايات وضعت لنفسها صلاحيات واسعة لملاحقة أي شخص ثبتت في حقه تهمة اقتراف جرائم الإبادة أو جرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب. يذكر أن 34 دولة إفريقية صادقت على قانون روما الذي عرف ميلاد هذه المحكمة وكانت كينيا أول دولة في العالم تنسحب من عضوية هذه الهيئة القضائية على خلفية ملاحقة رئيسها.