أجمع المتدخلون في ندوة النقاش التي نظمتها جريدة المجاهد أمس تحت عنوان "العدالة الدولية وتداعياتها على القضايا الدولية" على أن القضاء الدولي ينتهج سياسة الكيل بمكيالين في معالجة مختلف القضايا المطروحة على الساحة الدولية. وقال المحامي شريف شرفي في مداخلته خلال الندوة التي حضرها عدد من الأساتذة الجامعيين والمختصين في المجال القانوني أنه من الصعب جدا القول بأن العدالة الدولية حقيقة موجودة بالنظر إلى التناقض الحاصل على مستوى الهيئات المكلفة بتطبيق القضاء الدولي على غرار المحكمة الجنائية الدولية. وأبدى الأستاذ شرفي تحفظا على الدور الذي تلعبه هذه المحكمة في تطبيق العدالة الدولية وقال أنها موضوعيا هي محكمة أوروبية وأمريكية تخدم مصالح الدول الغربية العظمى وتتجاهل تماما مصالح الدول الضعيفة ودول العالم الثالث. وقدم مثالا على ذلك بتجاهلها للجرائم البشعة التي اقترفتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في عدوانها الأخير في حين سارعت إلى إصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير بعدما وجهت له تهمة اقتراف جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد السكان المدنيين في إقليم دارفور. وهو الأمر الذي جعل الأستاذ شرفي يؤكد أن الغرب وفي مقدمته الولاياتالمتحدة وإسرائيل، أراد من خلال هذه المحكمة خلق آليات تسمح له بالتدخل تحت غطاء الشرعية الدولية في الشؤون الداخلية لدول الجنوب. لكن الأستاذ شرفي أوضح من جهة أخرى أن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية جاء نتيجة ضغط المجتمع المدني الغربي الذي يشكل قوة فاعلة على حكومات بلدانه لإنشاء هذه الآلية لتحقيق العدالة الدولية. وهو نفس الموقف الذي رافع من أجله المحامي ميلود براهيمي الذي أعطى نبذة تاريخية عن تطور القضاء الدولي والمحاكم الدولية الخاصة التي تم إنشاؤها من اجل محاكمة مجرمي الحرب في عدد من البلدان الإفريقية مثل رواندا وسيراليون إضافة إلى دارفور. وأعاب براهيمي على التشريع الوطني عدم اختصاصه في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية الأمر الذي ترك فراغا في القضاء الجزائري وقال إنه إذا أردنا إحداث التغيير فإنه يجب أن نبدأ من الداخل في إشارة إلى ضرورة تجديد المنظومة القانونية بما يتماشى مع المتطلبات الراهنة. وفي هذا السياق اقترح الباحث القانوني صويلح بوجمعة إدراج جرائم الحرب وضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية في التشريع الجزائري حتى يتمكن القضاء الجزائري من متابعة مجرمي الحرب الفرنسيين والذين ارتكبوا أبشع الجرائم ضد الشعب الجزائري خلال فترة الاحتلال. وقال أن التشريع الوطني يبقى أسبق في معالجة الأزمات الداخلية باعتبار أنه لا يمكن تحريك أي إجراء دولي للنظر في أي قضية ما لم يتم استنفاذ الإجراءات القانونية الداخلية. وأعاب الباحث الحقوقي على محكمة الجنايات الدولية اهتمامها بالأشخاص بدلا من تركيز الاهتمام على مأساة شعوب بأكملها وقال أنه من الأفضل أن توسع هذه المحكمة نظرتها لمعالجة قضايا العدوان بصفته أم الجرائم وحق الشعوب المستعمرة في تقرير مصيرها. وحتى وإن كانت نظرة الأساتذة القانونيين المشاركين في هذه الندوة متشائمة بخصوص دور القضاء الدولي في تحقيق العدالة الدولية كونه خاضع لإرادة الدول الغربية ويوجهه وفقا لما يخدم مصالحه إلا أن هناك من أبقى على الأمل قائما في إمكانية التوصل يوما إلى عدالة دولية حقيقة لا تدخل في حساباتها مصالح هذه القوة أو تلك. وهو الموقف الذي دافع عنه الأستاذ الحقوقي محند يسعد الذي قال أن محكمة الجنايات الدولية حتى وإن كانت في الوقت الراهن لا تتماشى مع متطلبات العدالة الدولية باعتبارها محكمة أوروبية بالدرجة الأولى كون الدول الأوروبية هي التي أشرفت على إنشائها فإنها يمكن أن تصبح أكثر نجاعة مستقبلا. وقال أن الحل يكمن في مشاركة الجميع في هذه المحكمة ودعا الجزائر إلى الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية من أجل أن يكون لها صوت يساهم في إصدار قرارات هذه الهيئة القضائية. من جهة أخرى اختلفت الآراء بشأن قضية الصحراء الغربية وكيفية تسويتها ففي الوقت الذي أكد فيه الأستاذ صويلح بوجمعة أن القضية الصحراوية هي مسألة تصفية استعمار كما تؤكد عليه منظمة الأممالمتحدة وتسويتها تتم من خلال تنظيم استفتاء حر في الصحراء الغربية يسمح للصحراويين من تقرير مصيرهم بكل حرية اعتبر الأستاذ يسعد أن قضية الصحراء الغربية أعمق من أن تكون مسألة تصفية استعمار، وقال أنها قضية شعب احتل بقوة الحديد والنار وتسويتها تتطلب انسحاب المحتل المغربي نهائيا من الأراضي الصحراوية ثم التوجه نحو استفتاء تقرير مصير يمنح للشعب الصحراوي حرية الاختيار بين الاستقلال أو الاندماج في المغرب.