اصطدمت محاولات النظام المغربي لاستفزاز الجزائر بحكمة الدبلوماسية الجزائرية، التي أظهرت كالعادة حنكة كبيرة في التعامل مع المخططين اللذين دبرهما المخزن، لإثارة الفتنة في المنطقة، وتكسير الحركية الدبلوماسية التي يشهدها ملف الصحراء الغربية، وكذا تنامي دور الجزائر في منطقة الساحل في الفترة الأخيرة. فبعد فشل مخططه الاستفزازي الأول المتمثل في استدعاء سفيره، لجأ المخزن إلى تنفيذ خطة ثانية أكثر استفزازا لمشاعر الجزائريين، باعتدائه على العلم الوطني في يوم رمزي، يبقى مشهودا في تاريخ الجزائر والأمة العربية بل وفي تاريخ كل ثورات العالم المعاصر، رغم أنف كل من تواطأوا في محاولة المساس براية الأحرار والأبرار. ورغم كل محاولاته الصارخة وغير المبررة، يجد النظام المغربي الذي ألب آلته العدائية ووسائله الدعائية، لزعزعة مشاعر الجزائريين ودفعهم إلى التصعيد، نفسه يائسا في تحقيق مبتغاه وإصابة هدفه الملفق بتبريرات واهية، أطلقت من القصر الملكي وحمل مهمة نشرها والتأجيج بشأنها خدامه في الأحزاب والتنظيمات الشبانية الموالية له.. غير أن صلابة الموقف الجزائري وثبات الدبلوماسية الجزائرية عند مبادئها الراسخة، التي تقدس علاقات حسن الجوار، وتعتمد على الحكمة والتبصر في التعامل مع الأحدات والمستجدات، كشفت مرة أخرى عيوب وضغائن النظام المغربي الذي اكتسب "احترافية عالية" في افتعال الأزمات مع الجزائر ورميها بالرصاص "الأبيض"، متناسيا دروس الماضي التي أظهرت في كل مرة بأن رصاصته البيضاء لن تنزل إلا بردا وسلاما على جيرانه، وأن الخطر يأتي من شظاياها التي تعود على الرامي، فيخسر ود جيرانه ومع الود مصالح ثمينة، على شاكلة المصالح الاقتصادية التي فقدها عندما تسرع إلى تأليف مسرحية غلق الحدود في 1994. وبعيدا عن التعليق عن الفيلم الرديء الذي اصطنعه المخزن، والتعقيب على افتراءات آلته الإعلامية الحاقدة، فإن القراءة الموضوعية للمحاولات اليائسة المغربية لإثارة الفتنة مرة أخرى مع الجزائر، تكشف درجة الإحباط واليأس التي بلغها النظام المغربي خلال الفترة الأخيرة، والتي لم يفلح فيها في تليين الموقف الجزائري سواء فيما يتعلق بقضية نزاعه مع جبهة البوليساريو حول الصحراء الغربية، أو فيما يخص مسألة فتح الحدود البرية التي جاء موقف الجزائر بشأنها واضحا ومحددا ومنطقيا على اعتبار أنه ارتبط بقضايا الأمن والاستقرار في المنطقة. فتحجج المغرب برسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الندوة الإفريقية للتضامن مع الشعب الصحراوي بأبوجا، والتي دعا خلالها إلى اعتماد آليات المراقبة الدولية لحقوق الإنسان بالمنطقة، ليس له أي مبرر منطقي، وادعاء المغرب بأن الجزائر خرجت عن حيادها في النزاع بالمنطقة، لا يستند إلى أية مصداقية، على اعتبار أن المطالبة بآلية أممية لمراقبة حقوق الانسان هي في حد ذاتها تكريس للشرعية الدولية، التي تدعو الجزائر كغيرها من الدول المتحضرة التي تؤمن بمبادئ القانون الدولي إلى الاحتكام إليها لحل النزاعات الإقليمية، سواء في الصحراء الغربية أو في غيرها من مناطق العالم. كما أن إنشاء هذه الآلية القانونية في الصحراء الغربية لم تطالب به الجزائر وحدها، بل هو مطلب ملح متبنى من كافة المنظمات الحقوقية الدولية المتابعة لتطورات الوضع في المنطقة، والمستنكرة للخرق الصارخ لحقوق الإنسان الحاصل في المدن الصحراوية المحتلة، الأمر الذي يدفع إلى الاعتقاد بأن نظام المخزن لم يفاجأ بموقف الجزائر، الذي لا يعد موقفا جديدا بالنسبة له، بقدر ما اتخذ من الفرصة ذريعة لتنفيذ مخطط افتعال أزمة جديدة، اعتقد وهما بأنها ستمكنه من الضغط على الجزائر وتدفعها إلى التصعيد في ردها على استفزازه، حتى يثير فتنة جديدة، تثبط كل العزائم الدولية الرامية إلى تحقيق تقدم في مسألة تقرير مصير الشعب الصحراوي، وتكسر الحركية الدبلوماسية التي يشهدها هذا الملف.
فقدان أوراق الإقناع أفقد المخزن صوابه.. وتؤكد التطورات الأخيرة التي تميز ملف الصحراء الغربية، بأن طريق تسوية هذا النزاع، وعوامل ارتكاز الطرح المغربي، تتجه عكس المسار الذي يشتهيه نظام المخزن، لاسيما بعد جولة كريستوفر روس، موفد الأمين العام للأمم المتحدة إلى المنطقة، وعرضه قبل أيام قليلة لتقريره أمام مجلس الأمن الدولي، مقترحا اعتماد أسلوب عملي جديد لتسيير التفاوض بين الطرفين المعنيين بالنزاع (المغرب وجبهة البوليزاريو). وصادف اقتراح روس للانطلاق في المنهجية الجديدة للتفاوض، بداية من شهر نوفمبر الجاري، رفض المملكة العربية السعودية التي يعتبرها المغرب حليفا استراتيجيا وسندا له في نزاعه حول الصحراء الغربية، الانضمام إلى مجلس الأمن الدولي، في مقابل التحاق نيجيريا التي تعد إحدى أكبر وأبرز دول القارة السمراء دفاعا عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، إلى هذه الهيئة الأممية. وشكلت كل هذه المستجدات التي صدمت النظام المغربي، وأفقدته كل الأوراق التي كان سيعتمد عليها لإقناع المجموعة الدولية بطرحه حول القضية الصحراوية، حقيقة مرة أدت إلى تكالب المخزن من جديد على الجزائر التي يجعل منها مشجبا يعلق عليه خيباته. وبعد فشله في الاستفزاز الأول باستدعاء سفيره "للتشاور"، حيث تأسفت السلطات الجزائرية لهذا التصرف غير المبرر، وتبنت موقف الكبار، في عدم الرد على الاستفزاز بمبدأ المعاملة بالمثل، لجأ نظام المخزن إلى خطته الثانية التي اعتمد فيها على "شباب الملك"، لإثارة مشاعر الجزائريين، عبر المساس بأحد مقدساته الوطنية، وهو العلم الوطني، الذي تم إنزاله من على سطح القنصلية الجزائرية بالدار البيضاء، في يوم تاريخي يصادف الذكرى ال59 لاندلاع ثورة نوفمبر المظفرة، دون مبالاة بخطورة هذا الفعل الدنيء على المملكة ذاتها، ومساسه بمصداقية وسيادة بلده الذي يفترض أن يضمن كغيره من الدول السيدة حماية وسلامة البعثات الدبلوماسية على أرضه. ورغم التبريرات التي قدمتها سلطات المملكة لهذا الخرق الصارخ لحرمة المقدسات الوطنية لدولة جارة ذات سيادة، واعتبارها له عملا "معزولا"، إلا أن بصمات المخزن بدت واضحة من خلال تساهل الأمن الملكي في صد انتهاك حرمة القنصلية، وكذا الوقت الذي استغرقته هذه الفعلة الخسيسة، ليبقى من حق السلطات الجزائرية التي استدعت القائم بالأعمال المغربي للاستفسار حول هذه الفعلة الشنيعة، المطالبة بمتابعة الفاعل قضائيا ومحاكمته نظير جرمه.
تعيين لعمامرة.. غصة في حلق الرباط وقطرة أفاضت كأس الضغينة وما زاد من حنق الرباط وتصعيده لعدائه للجزائر في الفترة الأخيرة، هو تعيين الدبلوماسي المحنك، السيد رمطان لعمامرة، وزيرا للخارجية، وهو الرجل الذي يعي المخزن جيدا ثقله على الساحة الدبلوماسية العالمية، ويدرك كفاءته وقدرته العالية في الدفاع عن القضايا المشروعة، وإحاطته الجيدة بملف الصحراء الغربية، بدليل أن الإعلام الاستخباراتي المغربي لم يتأخر عن التهجم على الرجل مباشرة بعد تعيينه في منصبه الجديد بموجب التعديل الحكومي الذي أجراه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في 11 سبتمبر الماضي. ووصف الإعلام الاستخباراتي المغربي السيد لعمامرة ب«حصى جزائرية جديدة في حذاء المغرب"، مبررا وصفه بكون الرجل "ملم بالملفات التي تنصب العداء للمغرب ومواقفه". وتجاهلت الآلة الإعلامية المخزنية، التي لم تكف عن انتقادها للسيد لعمامرة حتى في إطار غيها وتهويلها للأحداث الأخيرة، بأن مواقف الجزائر من القضايا الإقليمية والدولية، هي مواقف ثابتة لدولة سيدة، وليست مواقف متغيرة بتغيير الأفراد، مثلما تجاهلت بأن أكاذيبها وحيل نظامها، لتعليق خيباته وفشله على شماعة الجزائر، أصبحت مفضوحة حتى لدى المغاربة أنفسهم، الذين وقفوا على حقيقة فشل الدبلوماسية المغربية، وعايشوا نكساتها المتلاحقة من عهد إدريس البصري الذي ثار على القصر، مرورا ببن عيسى، فالفهري ثم العثماني وصولا إلى وزير الخارجية الحالي صلاح الدين مزوار.