يبدو أن ملك المغرب لم يعد يهدأ له بال إذا لم يقحم الجزائر في خطاباته بمناسبة وبغير مناسبة، لكن هذه المرة دفعت به درجة اليأس والإحباط اللذين ولدهما الفشل المتتالي للأطروحات المغربية بشأن القضية الصحراوية إلى الهذيان بخطاب مليء بالمتناقضات يبعث على الشفقة للحالة التي وصل إليها المخزن. فملك المغرب تجاهل عمدا حادثة الاعتداء على قنصلية الجزائر في الدار البيضاء ولم يقدم اعتذارا رسميا للشعب الجزائري على تدنيس أحد حثالة تنظيم ”الشباب الملكي” الراية الوطنية التي ضحى من أجلها مليون ونصف المليون من الشهداء، وراح كعادته ودون أدنى احترام للأعراف الدولية وحق الجوار يوجه سلسلة من الاتهامات للجزائر ومسؤوليها، لا لشيء إلا لأنها متمسكة بمساندة قضية شعب صنفتها الأممالمتحدة ضمن قضايا تصفية الاستعمار. فقد كان الخطاب كله تكالبا على الجزائر للتغطية على ما يجري في المناطق الصحراوية المحتلة وكذا السجون والمحتشدات من انتهاكات صارخة لحقوق الانسان دقت بشأنها المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية ناقوس الخطر ودعت إلى الإسراع لحماية الصحراويين في المناطق المحتلة. عندما دعت الجزائر إلى ضرورة الإسراع بوضع آلية لحماية الشعب الصحراوي، ثارت ثائرة المخزن الذي وصفها بالعدو الخارجي وهو الذي كان قبل أشهر بل أسابيع يترجاها لفتح الحدود وإعادة بعث العلاقات الثنائية! والغريب أن العاهل المغربي يعترف بصريح العبارة بوجود ”أزمة ثقة” بين المغرب ودوائر القرار لدى شركائه الاستراتيجيين في مجال حقوق الانسان، لأنه بصراحة بلغ السيل الزبى وأن هذه الدوائر التي كانت تغض الطرف عن هذه الانتهاكات لم يعد بمقدورها الاستمرار في طمس الحقيقة بعد أن افتضح الأمر بتجاوز المخزن الخطوط الحمراء في مجال انتهاكات حقوق الإنسان. ثم من كان ولا يزال يراهن على شراء الذمم لكسب مواقف مساندة لأطروحاته وأطماعه التوسعية؟ الجزائر التي لم تتغير مواقفها الثابتة في السر والعلانية، والتي تعتبر مساندتها للقضية الصحراوية مبدأ ثابتا في سياستها الخارجية؟ أم المخزن الذي يمارس هذا الفعل المشين في العلاقات الدولية بعد أن منيت دبلوماسيته بالفشل الذريع في المحافل الدولية فاختار لإنقاذ الموقف إهدار أموال الشعب المغربي في شراء ذمم اللوبيات اليهودية الأمريكية في الأممالمتحدة ومجلس الأمن، ومنح امتيازات وقصور لشخصيات فرنسية نافذة مقابل الحصول على مساندتها لفكرة الحكم الذاتي التي رفضها المجتمع الدولي؟. إن تهجم العاهل المغربي على الجزائر ليس جديدا، وإنما الجديد أنه جاء غداة الاعتداء على الراية الجزائرية دون أن يقدم اعتذارا للشعب الجزائري. ولكنه يعكس على العموم حالة الهستيريا التي يعيشها المخزن بكل فصولها وكالعادة لا يجد مشجبا يعلق عليه مشاكله الداخلية الاقتصادية والاجتماعية إلا الجزائر ”العدو” الذي يرفض إعادة فتح الحدود، متنفس ومنقذ المخزن من أي انفجار اجتماعي محتمل.