الشعر لم يعد ذلك الرنين السحري الذي يخترق الأسماع وتجتاح بهجته الأنفس، مهما تنوعت إيقاعاته بالشجن العميق والفرح المطلق، بل تحول إلى فضاءات مفتوحة على كل الكيانات بوميض يحسبه القارئ سرابا، فيجده شيئا ضاع منه منذ تعلم تذوق الكلمات، هي الكلمات إذن التي تؤثث للفرح والحزن وتكتب بألوان الوطن الذي يسكنه نبض القلب، الشاعر حسين عبروس شاعر الطفولة، بل الطفل الذي لم يسكت عن الغناء وما يزال يمرح مع العصافير، ها هو يغرد تغريدة يجمعها الإنفراد في مجموعة شعرية جديدة صدرت مؤخرا تحت عنوان «ما تأبّى من الطيف» فهل هو نوع آخر من الامتناع والمراودة؟ من السهل الممتنع محاولة كتابة الشعر إذا ما توفرت فيه الجملة الشعرية الكاملة، لكن من الصعب التغلغل في نفسية شاعرة غائصة في قعر الأوجاع، لتطفو بها إلى سطح الواقع وتقدمها صورة كاملة للقراء، وأن تقبض بأنفاس شاعر لاهث خلف طرائد الوهم فذلك ما يكون عصيّا على التحقيق، حسين عبروس يقدم نفسه لقرائه ويترجم قصائده وأحاسيسه لنفسه، فيجعل منها إطارا لمجموعته الشعرية الجديدة «ما تأبّى من الطيف» فيقول: «هي مساحة شعرية تختلف عن المجموعات الثلاث... قد يكون ذلك الاختلاف موقوفا على تجربة الكتابة... إنها توغل في فيوض الروح، تعرّي تفاصيل الكلام الذي هو من وجع الشعراء». ويضيف في تعريف ميلادات قصائده قائلا: «هذه المجموعة تتداخل فيها هموم الوطن والإنسان، تزدحم فيها الأزمنة والأمكنة، وتتفاوت فيها مساحات الأحزان والأفراح... هي نهري الجميل العذب الذي ما زال يعبق بموسيقى الشعر، حتى وإن جاءت أنغامها من وقع تلك التفعيلات التي لاّ تمت بالصلة إلى بحور الشعر العربي الأصيل». استهل الشاعر عبروس مجموعته الشعرية بقصيدة تحت عنوان؛ «أنا فيك طائر»، يقول في مطلعها: «وطني يخونني فيك التغنّي إذا كنت منك وما كنت منّي وأهواك سرّا وجهرا ومنك هذا الصدّ في القلب من بعض التّجنّي أنا فيك طائر غريّد وهذا الشعر ريشي ولحني ..» أما في قصيدته التي حمّلها عنوان المجموعة الشعرية «ما تأبى من الطيف « فيقول في مطلعها: «ظام... ومنتظر من طيفك الّرسلا ظام وما تغيّب الليل عن شرفتي وآب معتذرا للصبح مكتحلا..» قسم الشاعر مجموعته إلى ثلاثة أقسام؛ قسم قصائد شعرية، قسم قصائد قصيرة للوطن والقسم الثالث قصائد قصيرة لها، وتضم المجموعة حوالي أربعين قصيدة، المجموعة من القطع المتوسط، صدرت بدعم من وزارة الثقافة 2013 عن موفم للنشر.