برع في الخط العربي، فاعتبر واحدا من أهم الحرفيين الذين أبدعوا في زخرفة المساجد.. يسعى دائما إلى إعطاء ثمرة فنية تحمل في عمقها الهوية الوطنية... ورغم تقدمه في السن كونه دخل عتبة الستين من عمره، لا يزال يقدم دروسا تربوية، اجتماعية وحضارية تساهم في تبليغ المعاني والقيم الإيجابية التي تخدم المجتمع... نتحدث عن الفنان والحرفي سعيد جاب الله الذي يحلم بتأسيس مدرسة يقدم فيها خلاصة تجربته للراغبين من الشباب في تعلم هذا الفن الحضاري. “المساء”: بداية، من هو سعيد جاب الله؟ سعيد جاب الله: هو خطاط وحرفي تخصص في السيراميك، من مواليد 1951 ببلدية البابور ولاية سطيف، خريج المدرسة العليا للفنون الجميلة، تخصصت في قسم الفنون التطبيقية، بعدها تحصلت على منحة أهلتني للدراسة في جمهورية مصر العربية، لأتخرج منها بشهادة عليا في الخط والزخرفة العربية، بعدها عدت إلى الجزائر أين بحثت عن سبل أخرى للتكوين، فتكونت في مجال الزخرف العربي الإسلامي، بعدها انضممت إلى بعض الورشات التي تنشط في مجال الخط العربي ونهلت الخبرة الميدانية من بعض من امتهنوا هذه الحرفة، ثم دخلت مجال السيراميك، حيث اكتشفت العلاقة الوطيدة بين السيراميك والخط العربي، وبعد أن برعت فيها، فكرت في فتح ورشة خاصة بي أحاول من خلالها التعريف بعملي ونقل خبرتي إلى الشباب الراغب في تعلم هذا الفن النبيل. في رأيك ما العلاقة بين الخط العربي والسيراميك؟ هناك علاقة تكاملية بينهما، رغم أن الخط من أصعب الفنون الإسلامية إلا أني تمكنت بالخبرة المهنية التي اكتسبتها من المزاوجة بينهما، لأن السيراميك مادة حية ينعشها الخط العربي لتتحول إلى لوحات فنية تظهر على واجهة المساجد، المحلات والساحات العمومية، إلى جانب الجداريات التي تعد من الرموز التي تزين بها بعض المطارات والقاعات الشرفية. تحدثت عن تكوين شباب، هل يعني هذا أن هناك إقبال على هذه الحرفة؟ حقيقة، بعد أن أصبحت لدي ورشة، أخذت على عاتقي مهمة التكفل بتعليم بعض الشباب، فتخرج على يدي ما يزيد عن 150 شابا وشابة من مختلف ربوع الوطن، ولا أخفي عنكم أنني أحاول الكشف عن كل أسرار هذه الحرفة النبيلة، إلى من أشعر أنه حقيقية يحبها ويرغب في الإبداع فيها، سواء تعلق الأمر بالخط العربي أو السيراميك. كيف تقيّم واقع هذه الحرفة بالجزائر؟ لا أعتقد أن ثمة اهتمام بها رغم وجود من يرغب في تعلمها، لأنها حرفة صعبة تبحث عمن يحبها ويصبر عليها، لا أن يستغلها كتجارة، لذا أعتقد أنها لا تلقى الاهتمام المطلوب في الوقت الذي أنظر إلى هذه الحرفة على أنها تراث ينبغي أن نتوارثه جيلا بعد جيل. كيف تقيم مشاركتك في المعارض الوطنية والدولية؟ شاركت في العديد من المعارض الدولية مثل أمريكا، فرنسا، البرتغال، النمسا ومؤخرا كوريا، إلى جانب بعض الدول العربية مثل تونس، سوريا، الأردن وقطر، وكنت في كل مرة أحصد العديد من الجوائز التي كانت بالنسبة لي بمثابة الاعتراف بقيمة التراث الجزائري وجماليته، وهي في الحقيقة الرسالة التي أود الترويج لها في كل معرض أشارك فيه، إذ أحاول التعريف بهويتنا الوطنية من خلال الأعمال التي تجسد عراقة ومكتسبات وطننا التراثية. ما هو سر نجاحك في حرفة السيراميك الممزوج بالخط العربي؟ لا أخفي عنكم أن السر غاية في البساطة، يتمثل في الرغبة الدائمة في البحث عن طرق جديدة، فأنا لم اكتف بما تعلمته فحسب، إنما رحت في كل مرة كنت أسافر فيها إلى مختلف الدول العربية أو الأجنبية، أبحث عما يمكن أن يساعدني على تطوير وتحديث مهاراتي، وهو ما أعمل على نقله اليوم للطلبة الذين أشرف على تكوينهم، حيث أقدم لهم القواعد الأساسية وأطلب منهم توظيف ملكاتهم الإبداعية وأحفزهم على البحث والانفتاح على ثقافات الآخر، وأن يكون لديهم ما يميزهم. هل تذكر أول عمل فني أنجزته؟ لا يخفى عليكم أن تعليمنا فيما مضى كان ينطلق من القرآن الكريم، وأذكر أنني عندما كنت أختمه، أقوم برسم بعض الأشكال الهندسية، بعدها ظهر ميلي الشديد إلى هذا الفن الذي رغبت في تطويره. ما الذي تتطلع إليه اليوم بعد أن أصبح في رصيدك خبرة تزيد عن 40 سنة؟ حبي الكبير لهذا الفن دفعني إلى التفكير في تأسيس مدرسة خاصة أعلم بها الشباب، وتكون بمثابة مرجع للخط وفن السيراميك، إلا أن الإشكال الكبير الذي يحول دون تحقيق حلمي يتمثل في غياب الدعم المادي، فلو تمنحنا السلطات المعنية قطعة أرض، لأقمت مدرسة أجمع فيها الشباب الذين كونتهم، بالتالي نفتح المجال لاستقبال الراغبين في اكتشاف هذا الفن واحترافه، نملك الأفكار والإبداع متوفر، يكفي فقط توفر القليل من الدعم لنحافظ على هذه الحرفة من الضياع، حتى لا تستغل كتجارة تفرغ هذا العمل الفني من محتواه. هل هناك إقبال على اقتناء هذه الأعمال الفنية؟ حقيقة ثمة العديد من الزبائن الباحثين عن الفن الراقي، يقصدونني ويطلبون مني بعض التحف بالخط العربي أو إنجاز بعض الأشكال على السيراميك قصد تزيين المنازل أو المساجد أو الساحات العمومية، ورغم أن أسعارها تبدو مرتفعة بالنسبة للبعض، إلا أنني أعتقد أنها معقولة لأننا نخضعها لسعر المادة الأولية التي ترتفع وتنخفض تبعا لحال السوق، إلى جانب اعتبار مجهود الحرفي الذي قد يستغرق وقتا في إعداد عمل فني مميز.