يعد الفراغ من أكثر الأمور التي تجر الشباب إلى الضياع، وتجعلهم عرضة للآفات الاجتماعية، لذا نجد الحرفي أمين ملاك، البالغ من العمر 20 سنة، ينصح الشباب الذين لم يسعفهم الحظ لإتمام الدراسة، أو لم يوفقوا في الظفر بمنصب عمل، أن يشغلوا أوقاتهم بتعلم بعض الحرف حتى وإن لم يمارسوها.اِلتقت ''المساء'' بالشاب أمين، حرفي في الرسم على ''السيراميك''، ودردشت معه حول خبايا هذه الحرفة ومتاعبها. ترك أمين مقاعد الدراسة مبكرا، إذ لم يوفق في متابعة مشواره الدراسي، بعد إخفاقه في نيل شهادة التعليم الأساسي، فقرر أن يلتفت لتعلم حرفة ما، بحكم صغر سنه الذي لم يؤهله لولوج عالم الشغل من دون شهادة ولا تكوين، ولأن مراكز التكوين المهني فتحت أبوابها لكل شاب راغب في التعلم، بعد أن ألغت جملة من الشروط المطلوبة للالتحاق بمراكز التكوين، ومن بينها شرط المستوى الدراسي، قام أمين باقتحام عالم التكوين. ولأن التخصصات كانت كثيرة، قرر هذا الأخير الغوص في عالم السيراميك، لاسيما وأن الله قد أنعم عليه بموهبة الرسم التي سهلت عليه المهمة، وجعلته يفلح في تعلم الحرفة التي اختارها، والمتمثلة في الرسم على السيراميك، حول هذه الحرفة، قال؛ ''عندما دخلت مركز التكوين المهني واخترت تعلم حرفة الرسم على السيراميك، وجدت في البداية صعوبة في التكيف مع الوضع، لأن طريقة التلقين كانت تبدو لي صعبة، وغير مفهومة، غير أن اجتماع الرغبة مع الموهبة ساعداني على تحدي كل العوائق، وسهلا علي مهمة التعلّم، وشيئا فشيئا، اتضحت معالم مستقبلي وتكونت في الأفق أحلامي ورغباتي في احتراف هذه المهنة، من خلال العمل على تطويرها، وتحديدا في مجال الرسم البربري على السيراميك. وأضاف محدثنا؛ ''أشعر اليوم، بعد أن تمكنت من إتقان أبجديات الحرفة، أنني شخص مفيد، خاصة عندما أنهي القطعة التي أرسمها، أظل أحدق فيها مدة من الزمن، وأقول في نفسي؛ إنني أنا من صنعها، فأشعر بالامتنان والرضى عن النفس. يعمل الحرفي أمين اليوم، في ورشة تابعة لواحد من الخواص الذين اختاروا المتاجرة في هذا النوع من الحرف، حيث قال؛ ''بعد أن أنهيت تربصي، بحثت عن مكان لأمارس فيه العمل، إلى أن التقيت بأحد الخواص في مجال صناعة الأواني الفخارية، الذي استقبلني، وظفني وأسهم في صقل موهبتي، بحكم تجربته الطويلة مع الطين والأواني. خبرة وتجربة الحرفي أمين رغم قصرها، إلا أنه تمكن من إثبات وجوده بين أقرانه من الذين مارسوا الحرفة، حيث جاء على لسانه بأن درجة إتقانه لعمله جعلته يضع التصور الذي ينبغي أن تكون عليه الآنية حتى قبل العمل عليها، وأردف قائلا: ''بمجرد أن أنظر للآنية، أعرف ما يناسبها من أشكال أو رسوم، فلا يخفى عليكم أن الأواني تختلف عن بعضها البعض من حيث الشكل والحجم، وأن ما قد يتطابق مع آنية قد لا يناسب أخرى، وهو السر وراء تحويل الآنية المرسومة إلى تحفة فنية تستحق أن توجه للجانب الجمالي، لتزيين المنازل أو المكاتب أو ما شابه. تحدث الحرفي أمين عن أشكال مختلفة من الرسومات التي تزيّن بها الأواني، غير أنه اختار الرسم البربري، حيث قال: ''بحكم أنني أمتلك موهبة الرسم، وأنتمي إلى منطقة القبائل، قررت التخصص في الرسم البربري الذي يعكس انتمائي، كما أنني، من جهة، أحافظ على التراث وأعرّف به من يقبل على اقتناء هذه الأواني، ومن ناحية أخرى، أحمي هذا النوع من الأواني الموشومة بالرسومات البربرية من الإندثار، حتى تظل شاهدا على تاريخ أمة، وأردف قائلا: ''أستلهم الرسومات من تراثنا، ومن خلال القيام بالبحث في الكتب القديمة، وبالمحلات التي تبيع هذا النوع من الأواني عن أشكال لم أوظفها من قبل، كما أميل في أحيان أخرى، إلى ابتكار أشكال جديدة، غير أنني أُخضعها دائما لنفس الطريقة، أي الطريقة البربرية. أكثر ما يحز في نفس الحرفي أمين ان بعض الزبائن من الذين يقبلون عليه عند العرض لا يعطون هذه الحرفة المكانة التي تستحقها، بل يصور البعض منهم على ان الأشكال المرسومة من صنع الآلة لشدة إتقانها ودقت صنعها. وفي الأخير قال الحرفي أمين، أنه جد محضوض بتعلمه لهذه الحرفة الراقية، ويرغب عبر جريدة ''المساء'' توجيه ندائه إلى كافة الشباب، من أجل تعلم حرفة ما تحميهم من غدر الزمن، لأنه ليس هناك أفضل من صنعة اليدين، فهي كنز ثمين.