تعكس تصريحات المسؤولين الفلسطينيين المتواترة منذ الصيف الماضي أن مفاوضات السلام مع الطرف الإسرائيلي لم تأت بالنتيجة المرجوة بسبب موقف حكومة الاحتلال الرافض لكل تفاهم حول قضايا الحل النهائي. ولم تكن تهديدات الرئيس محمود عباس، أمس، في حال الإعلان رسميا عن فشلها باللجوء إلى خيارات أخرى ومنها الهيئات الدولية إلا تعبيرا عن حقيقة الموقف والانسداد الذي تعرفه الجولات التفاوضية التي بقيت تراوح مكانها منذ أن قبلت السلطة الفلسطينية العودة إلى طاولة المفاوضات شهر جويلية الماضي بضغط أمريكي واضح. ولم يكن الرئيس الفلسطيني ليدلي بهذا التصريح لولا أنه ضاق ذرعا من التسويف الإسرائيلي والعراقيل التي ما انفكت حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تضعها من أجل إفشال هذه المفاوضات. وقال عباس معترفا إن المفاوضات تجتاز مصاعب كبيرة بسبب العراقيل الإسرائيلية وأنه إذا لم نتحصل على حقوقنا عبر المفاوضات فإنه سيصبح من حقنا تغيير وجهتنا باتجاه الهيئات الدولية والانضمام إلى كل المعاهدات الدولية". تنفيذا للصلاحيات التي يمنحها وضع الدولة الملاحظ الذي تحصلت عليه نهاية نوفمبر من العام الماضي. وهي رسالة فلسطينية مزدوجة الوجهة نحو حكومة الاحتلال وأيضا باتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية التي ضغطت منذ بداية العهدة الثانية للرئيس الامريكي باراك اوباما على الجانب الفلسطيني من أجل إرجاعه إلى طاولة المفاوضات التي هجرها نهاية سبتمبر 2010 احتجاجا على سياسة الاستيطان الإسرائيلي. والرسالة واضحة أكثر باتجاه واشنطن إذا أخذنا بتوقيت زيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري، اليوم، إلى فلسطينالمحتلة بقناعة أن الادارة الأمريكية مطالبة بممارسة ضغط أكبر على الجانب المعرقل وإيمانا منها بأن إسرائيل لن ترجع حقا فلسطينيا ضائعا وهي تبحث بشتى الطرق سلب مزيد من الحقوق حتى وإن اقتضى ذلك تجريدهم من كل ما يملكون. وتبقى مسألة الاستيطان أكبر العقبات التي ترفض إسرائيل التراجع عنها وكانت سببا في إلغاء جولة مفاوضات، أول أمس، بعد أن اشترطت السلطة الفلسطينية إعلان إسرائيل بصفة رسمية تخليها عن مخطط استيطاني ضخم بإقامة 20 ألف وحدة سكنية في الضفة الغربية والقدس الشريف. وقد أعطى صائب عريقات صورة نموذجية عن درجة العناد الإسرائيلي في تعاليها في التعامل مع الجانب الفلسطيني عندما أكد أنه بعد 120 يوما منذ بدء المفاوضات قامت إسرائيل بتدمير 159 منزلا لمالكيها من الفلسطينيين وقتل 23 فلسطينيا في نفس الوقت الذي أعلنت فيه إقامة ستة آلاف وحدة استيطانية جديدة. وهي وضعية يجب أن تضع كيري أمام مسؤولياته وتجعله يتحمل تبعات وعوده كوزير لدولة كبرى حملت على نفسها مسؤولية رعاية عملية السلام ولكنها فشلت في الاضطلاع بمهمتها إلى حد الآن. وتؤكد الزيارات الثماني عشرة التي قام بها جون كيري منذ استلامه كرسي الخارجية الأمريكية على عمق الهوة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من جهة وأيضا على حقيقة العجز الامريكي في تحقيق اختراق ولو كان ضئيلا يمكن الاعتداد به من أجل إعطاء مصداقية لعملية تفاوضية أصبحت مجرد مضيعة للوقت. وهي الحقيقة القائمة إذا علمنا أن إسرائيل استغلت كعادتها زيارة جون كيري إلى فلسطينالمحتلة لتعلن عن إقامة ثلاثة آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية. والمفارقة أن المصادقة على هذا المشروع تمت في نفس الفترة التي اقتنعت فيها السلطة الفلسطينية بالعودة إلى طاولة التفاوض مع إسرائيل بضمانات أمريكية. وتتعمد حكومات إسرائيل المتعاقبة انتهاج سياسة الطعن في الظهر الأمريكي بواسطة مشاريعها الاستيطانية التي وجدت فيها ورقة ضغط قوية ترفعها متى شاءت في وجه الحليف الامريكي كلما تعلق الأمر بإرجاع الحقوق الفلسطينية أو على الأقل ما تبقى منها.