أبرز أساتذة ومؤرّخون الدور الفعّال الذي لعبه أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة في 1958 ومسؤول المجلس التأسيسي، المجاهد الراحل فرحات عبّاس، إبّان الثورة وبعد الاستقلال، داعين إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالرصيد الفكري والإصلاحي الذي تركه الرجل، وإدراجه في المقررات الدراسية والبحوث الجامعية. وتناول أكاديميون خلال ندوة تاريخية في إطار منتدى الذاكرة احتضنه أمس منتدى ”المجاهد” بالعاصمة، حول (البعد الفكري والسّياسي للرئيس فرحات عبّاس)، بمناسبة الذكرى ال28 لرحيله، النضال السياسي الثري الذي خلّفه الراحل لأكثر من 30 سنة من العطاء. وأكد الكاتب والصحافي عمّار بلخوجة في تدخّل له خلال هذه الندوة، أن فرحات عبّاس مؤّسس حزب البيان والحرية، كان يتمتع بثقافة واسعة وحنكة سياسية عالية، برزت أكثر خلال كتاباته ومؤلّفاته التاريخية إبّان الثورة التحريرية المجيدة وبعد الاستقلال، الأمر الذي جعله يخلّف زخما كبيرا من المؤلّفات والكتابات، التي تبقى في وقتنا هذا في حاجة أكثر إلى العناية والاهتمام والتثمين؛ لكونها جزءا من تاريخ الثورة والأمة. وأوضح بلخوجة في هذا السياق، أن الإبداعات الفكرية والمشوار السياسي الثري للرجل، تستدعي اهتماما بالغا من الجهات المعنية؛ من خلال إعادة تجميعها وتصنيفها وأرشفتها، لتصبح مادة علمية تغذّي البحوث التاريخية والدراسات الجامعية المتخصصة في تاريخ الجزائر. وأشار المتحدّث إلى بعض الكتابات والمقالات التي دوّنها الراحل فرحات عباس، منها أول مقالة كتبها سنة 1931 ونُشرت في يومية ”تري دينيون” الناطقة باللغة الفرنسية، موضّحا أن هذه المقالة تطرّقت بإسهاب، لحالة البؤس والشقاء التي كان يحياها الفلاحون الجزائريون في تلك الفترة، وسياسة القمع الفرنسية التي كانوا يواجهونها تزامنا مع الحملة الفرنسية لمصادرة الأراضي الفلاحية وانتزاع ملكيتها من ملاّكها الأصليين. وبدوره، دعا المؤرخ والكاتب محمّد عبّاس في تدخّل له، إلى ضرورة إعطاء هذه الشخصية التاريخية والثورية حقّها من الكتابة والإنصاف، خاصة لتصحيح صورته أمام الرأي العام بعد الحملة الشرسة التي استهدفت تشويه سمعته رغم الخبرة العلمية التي كان يتمتع بها،كما أضاف. وتطرّق عبّاس لفترة نشأة المجلس التأسيسي في 1962، الذي أُسندت رئاسته للفقيد، والصراع السياسي الذي ميّز المشهد العام في تلك الفترة، مشيرا إلى حملة مغرضة استهدفت النيل من شخصية فرحات عباس وتشويه صورته أمام الرأي العام. وعرفت الندوة نقاشا واسعا بين المشاركين، تضمّن ضرورة إنصاف هذا الرجل وتخليده بعد 50 سنة من الاستقلال، لكونه كان من المدافعين عن المبادئ الوطنية والقيم الإنسانية. كما دعا الحضور، من جهة أخرى، إلى جعل الرصيد المعرفي للراحل مرجعا وطنيا تستنير به الأجيال القادمة. وللإشارة، بدأ فرحات عبّاس (من مواليد 1899) نضاله السياسي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وودادية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا من 1927 إلى 1931، فضلا عن تأسيسه حزب أحباب البيان والحرية. وعُيّن الراحل رئيسا للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية من فترة 1958 إلى 1962، قبل أن توافيه المنيّة سنة 1985. وجاء إحياء الذكرى ال28 لرحيل هذا الرجل الرمز، في إطار النشاطات التاريخية التي تنظمها جمعية مشعل الشهيد ضمن منتداها التاريخي للذاكرة، بمناسبة الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية.