عبرّ الكاتب الصحفي عثمان لحياني عن تفاؤله بمستقبل ”الثورة التونسية” معلّلا ذلك بعدّة عوامل، من بينها إيجابية حركة ”النهضة” الحزب الحاكم وتوفّر البلد على مجتمع مدني قوي ومتعلّم، إضافة إلى ضعف الأطماع الغربية اتجاهها بسبب عدم وجود تونس في تقاطعات إستراتيجية مهمة مثل مصر وقلة ثوراتها الطبيعية عكس ليبيا. وأضاف عثمان لحياني في المحاضرة التي ألقاها نهاية الأسبوع الماضي بمقر جمعية ”الجاحظية” تحت عنوان ”تونس، ثلاث سنوات بعد الثورة” (نشاط منظم بالاشتراك مع جمعية نوافذ ثقافية)، أنّ هناك عوامل داخلية وخارجية شكّلت الاستثناء بالنسبة لتونس مقارنة بما يحدث في مصر وليبيا وسويا، مشيرا إلى العوامل الخارجية في ثلاث نقاط هي؛ الانقلاب العسكري في مصر والحرب الدامية في سوريا والمخاوف من السقوط في هذه الهاوية، مما دفع بالسياسيين في تونس إلى العمل بكلّ قوّة للوصول إلى توافق بين الأطراف المختلفة... العامل الخارجي الثاني، حسب لحياني، يتمثّل في عدم وجود تونس في تقاطعات إستراتيجية مهمة مثل مصر التي تحاذي الكيان الصهيوني وما يشكّله ذلك من ضغط عليها من طرف القوات الغربية، وكذا غياب ثروة نفطية مثل ما هو موجود بليبيا، مما أنقذها من تدخّلات غربية مباشرة، في حين أرجع الكاتب العامل الخارجي الثالث إلى الظرف الإقليمي لضفاف المتوسط، أي أنّ البلدان التي تحيط بتونس لم يكن من صالحها أن تنهار وفي مقدمتها الجزائر التي لعبت دورا أساسيا في إنجاح التوافق السياسي التونسي وكذا تعاونها الأمني معها من خلال تشكيل غرفة عمليات مشتركة. وعدّد المحاضر العوامل الداخلية التي شكّلت هذا الاستثناء لتونس والبداية بإيجابية حركة ”النهضة” (الحزب الحاكم) مفصّلا ذلك بكون الثورة التونسية حدثت خارج إدارة شخص، بل جاءت تحت قيادة قوى سياسية مختلفة تعمل بأدوات جد متطورة، معتبرا أنّ حركة النهضة استفادت من التجارب الجزائرية وفي مقدمتها تجربة الراحل محفوظ نحناح (حركة مجتمع السلم) وكذا احتكاك الغنوشي، قائدها، بالغرب أيام تواجده هناك، كما فهمت طبيعة المجتمع المدني الرافض تماما للتطرّف. أمّا العامل الداخلي الثاني - حسب لحياني- فيتمثّل في ابتعاد الجيش عن السياسة المتبعة منذ حكم بورقيبة (تقوية الجهاز الأمني وتقليص مهام الجيش)، خوفا من حدوث انقلاب عسكري، لتصل القوات الأمنية في هذه الفترة إلى 120 ألف مقابل 30 ألف بالنسبة للجيش، ليضيف أنّ الجيش كان من الممكن أن يستفرد بالحكم بعد سقوط نظام بن علي، إلاّ أنّه لم يكن يضمّ شخصية مثل خالد نزار (الجزائر) ولا السيسي (مصر)، كما اختار أن يترك للقوات السياسية مسؤولية تجديد مؤسسات الدولة. وأضاف عثمان لحياني، العامل الداخلي الثالث، المتمثّل في قوة المجتمع المدني التونسي، مذكرا بالاتحاد العام للشغل الذي يعتبر أكثر التنظيمات قوة في تونس وهو الذي أطّر الثورة، حتى أنّه ساهم رفقة نقابات أخرى في مساعدة القوات السياسية لتحقيق التوافق السياسي، بينما العامل الداخلي الرابع جاء حول مستوى تعليم والسلوك المدني للتونسيين، الذي قال عنه المتحدث أنّه لعب دورا إيجابيا في عدم توجّه الثورة إلى العنف قبل وبعد سقوط النظام، منوّها بسياسة بورقيبة المهتمة بالتعليم. في المقابل، عاد المحاضر ليتناول حيثيات ما سمي ب”ثورة الياسمين”، فقال بأنّها جاءت عفوية بعد حادثة البوعزيزي، إلاّ أنّها كانت القطرة التي أفاضت الكأس، باعتبار أنّه حدثت في السابق، مظاهرات عديدة بالأخص ضد غلاء المعيشة، مضيفا أنّه بعد الانقلاب الأبيض الذي قاده بن علي على بورقيبة، قام بإصلاحات سياسية من خلال إجراء أول انتخابات حرة فازت بها ”النهضة” (1990) ليُحدث الانقلاب وتُطارد القوى المعارضة وعلى رأسها التيار الإسلامي. وأشار لحياني إلى محاولة بن علي إبعاد المجتمع عن الهوية الإسلامية وتقوية الرقابة على الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي، لتحدث فيما بعد ثورة تونس التي تحّولت شعاراتها من اجتماعية إلى سياسية، ويسقط النظام في 14جانفي 2011، بعدها جاءت محاولة تنظيم المرحلة الانتقالية وإعداد مرحلة الانتخابات، فإنشاء المجلس التأسيسي ووضع الدستور. وأشار المتحدّث إلى ظهور صراع بين القطب الإسلامي والقطبين اليساري والديمقراطي، ليفوز الأوّل ويشكّل صدمة بالنسبة للمجتمع التونسي المدني، وحسب لحياني فإنّ هذا الفوز يعود إلى سياسة حزب النهضة التي أكّدت للمجتمع إيمانها بالديمقراطية حتى أنّها كانت تستعمل الموسيقى في مؤتمراتها وتستعين بنساء غير محجبات، كما يعود هذا الفوز إلى أن المجتمع التونسي يرى في الأقطاب الأخرى نوعا من التورّط مع النظام السابق. وتوقّف المتحدث عند محطة الحزب السلفي الذي شكّل حرجا لحزب ”النهضة” الداعي إلى الاعتدال في الأمور وتهديدا للأمن الداخلي لتونس من خلال تنقله من القول إلى الفعل المتطرف عبر سلسلة من الاغتيالات، إلا أنه لم يتلق الدعم من المجتمع غير الحاضن للعنف. في إطار آخر، طالب عثمان بأهمية إدماج الإسلاميين في الفعل السياسي، مشيرا إلى تفاؤله بنجاح ”الثورة التونسية” ليضيف أنّ منطقة المغرب العربي عرفت بروز قامات في الفكر الإسلامي العقلاني من بينهم ابن خلدون وابن رشد، معتبرا أنّ نجاح تونس الوشيك يدخل ضمن نجاح الإنسان العربي في خلق بيئة تعايش مدني بعيدا عن التدخّلات الأجنبية.