تتحوّل الرموز الأمازيغية إلى شخوص معبّرة تحكي الراهن بكلّ تحوّلاته، وتترجم الحياة بمختلف تجلياتها، يستنطقها الفنان حسام خليفي ببراعة متناهية، ليوطّن من خلالها تراثا عريقا ضاربا في الأزلية. وقبالة المعرض، نُصّب معرض للكتب بتوقيع دار النشر والتوزيع ”المنبع”، التي قدّمت ما لذّ وطاب من كتب ومنشورات في مختلف الفنون والمعارف. تستمر فعاليات المعرض التشكيلي إلى غاية 23 جانفي الجاري، ويستمر معها انفجار الألوان ووضوح الرؤى وسلطة المرسوم الذي يتجاوز حدود العرض والجمال إلى التعبير ذي الدلالات المتعدّدة. وأثناء جولتها بالرواق التقت ”المساء” بممثلة مؤسسة ”فنون و ثقافة” (منظمة الفعالية) الآنسة نالوف مليكة، التي أكّدت الإقبال على المعرض من طرف الجمهور، علما أنّه نُظّم بمناسبة ذكرى يناير، مشيرة إلى أنّه يعكس طاقة كامنة عند هذا الفنان الشاب، الحريص على شق طريقه بثبات واجتهاد.تحضر في اللوحات كلّ الألوان بمختلف تدرجاتها وظلالها، لتعطي السيادة للرمز الأمازيغي، الذي له الحظوة في اللوحة، لا ينازعه فيها كائن من كان، فتبدو الألوان والرموز أحيانا متطايرة في فضاء يتجاوز حدود اللوحة؛ وكأنّه مشهد مصغّر من مجرة لها فضاؤها المستقل ولها نظامها الذي لا يشبه نظاما آخر، بدافع تجنّب التكرار أو التشبه بالآخر.في لوحة ”التوأم”، يبرز التلاحم بين شقين من نفس الفضاء، ففي الشق الأوّل تبرز الخلفية سوداء والرموز باللون الأحمر. وفي الشق الثاني يحدث العكس، تحمرّ الخلفية وتسودّ الرموز التي تتشكّل في حروف وشخوص قطع حلي في منتهى التناسق والتناغم، لا تطغى إحداها على أخرى؛ فلكلٍّ مكانه ومساره. في لوحة ”رمز الحرية” تظهر الرموز الأمازيغية ممتدة ومجسّدة في أشكال هندسية، تتحوّل بدورها لتصبح قطعة من الطبيعة الخضراء. في هذه اللوحة، يطغى اللون الأخضر بكل تدرّجاته، مستعينا في تفاصيله باللون الأبيض، الذي أحيانا يُبرز الاختلاف بين هذه التدرّجات والظلال الخضراء.في لوحة ”المرأة” تتحوّل الرموز والحروف الأمازيغية إلى أطياف نساء رمز الخصوبة والاستمرارية، علما أنّ طيفا كبيرا لامرأة جُعل في المركز دليلا على أنّ الأنثى هي مركز الكون؛ لأنّها تحمل في جوفها نسل البشرية، كما تحمل نظيراتها من مخلوقات أخرى، تسبح في محيطها نفس جينات الحياة والخصوبة.يعتمد الفنان على اللونين الوردي والبنفسجي الزهري حين الحديث عن الأنثى والحياة؛ كأمل قائم عنده في غد أفضل، ستجود به الحياة أو ستلده امرأة قادرة على إنجاب سلالة أرقى، تغيّر ما هو متوفّر اليوم.لوحة أخرى لا تقل جمالا ورمزية تحمل عنوان ”السنونو رمز السفر والهجرة”، تظهر فيها الرموز الأمازيغية كالطيور المهاجرة في أسراب، أو كالأسماك المهاجرة ضمن تيارات مائية كبيرة عابرة للبحار والمحيطات. أمّا ”القمر والنجوم” فتتحوّل الرموز إلى نجوم وكواكب يستدل بها بنو البشر، ليهتدوا إلى طريقهم المنشود. في لوحة ”المصارعة والحرية”، يتحوّل الرمز بطريقة فنية راقية إلى أدوات قتالية قديمة، مزركشة بدورها برموز صغيرة مختلفة الألوان. أمّا في ”العنكبوت” فيبرز تراث النسيج التقليدي بكلّ أدواته التي تحاكي في أحيان ما الرموز الأمازيغية، وكذا أدوات الفلاحة. وفي ”الشتاء” تختفي الألوان والرموز، ليبقى مجال اللوحة مفتوحا فقط على الأبيض والرمادي الداكن، الذي يعكس التحوّل الحاصل في هذا الفصل الجامد.من التراث أيضا ”الجرة”، التي ارتبطت بالمرأة؛ فهي خزان كلّ ثمين عندها، كما أنّها وسيلة تفنّنت فيها المرأة بالأشكال الهندسية وبالألوان؛ باعتبارها جزءا من يومياتها.. هكذا هي الرموز تتحوّل وتتبدّل حسب موضوع اللوحة، لترسخ تراثا عريقا يُستغل فنيا أحسن استغلال. للإشارة، فإن حسام خليفي من مواليد سنة 1977 بالعاصمة، وهو عصامي شق طريقه بنجاح. أتقن الرسم على الزجاج والقماش وحتى الخشب. جدّد في الأشكال والألوان بحركية متميّزة خارجة عن إطار التكرار. وعلى صعيد آخر، أقيم بنفس الفضاء معرض للكتاب من تنظيم دار النشر والتوزيع ”المنبع” من الرويبة، قُدمت فيه عشرات العناوين. والتقت بالمناسبة ”المساء” مع ممثلتها السيدة بونوة نورة، التي أكّدت أنّ المعرض يضمّن التنوّع فيه؛ إذ يحضر الكتاب شبه المدرسي والكتاب الثقافي، العلمي، الديني والروايات وغيرها من المجالات الفكرية والفنية، وهذا ما جلب الجمهور - حسب المتحدثة - الذي يأتي بكثافة في الفترات المسائية وفي نهاية الأسبوع؛ فأغلبهم يجدون ضالّتهم. عُرضت كتب في الثقافة العامة وفي الأدب العربي، منها كتاب عن ”شعرية الخطاب السردي”، ”تحليل الخطاب الصوفي في ظل المناهج النقدية”، وفي الرواية الجزائرية والعربية والأجنبية منها، مثلا روايات السعيد بوطاجين ك ”وفاة رجل ميت” و«تاكسانة”، وكتب أخرى في التاريخ، منها ”جبهة وجيش التحرير” لمقران صالحي، ”مشاهير المولودية 1921 – 1956”، ”حياة الشيخ الحداد” و«فرحات عباس” لحسين مزالي وغيرها من كتب التاريخ. ما يشدّ الانتباه في هذا المعرض هو وفرة قصص الصغار، أغلبها مستمَدة من التراث الجزائري وبأقلام جزائرية، منها قصة ”عايدة والجمل”، ”جحا القاضي” و«عنزة ومعزوزة” وغيرها. الفعاليات التي تستمر إلى غاية 31 جانفي الجاري، تعرف أيضا تخفيضات معتبرة خاصة في الكتب الأكاديمية، كما تحاول التعريف بدار ”المنبع”، التي تجتهد في إنتاجها؛ كي تغطّي مختلف المجالات وتوصل هذا الكتاب إلى أبعد نقطة ممكنة.