أكّد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، السيد عز الدين ميهوبي، أنّ وضع العربية في الجزائر ربما هو أفضل من وضعها في بعض البلدان العربية التي لم تعشْ حالة استعمار استيطاني، فالجزائر كانت عرضة لحملة استعماريّة استهدفت اقتلاع لسان الجزائريين من حناجرهم، والقضاء على لغتهم كعنصر أساسي في الهوية الجزائرية، شأنها شأن المعتقد والعادات والتقاليد، وشدّد على أنّ العربية في الجزائر قاومت طويلا، فمن غير المعقول أنّ بلدانا لم تتعرّض لاستعمار تنازلت عن لغتها الأصلية، وفي الجزائر حافظت العربية على حيويتها في المجتمع، وهي الآن تستعيد حضورها على الصعيد التعليمي والإداري والإعلامي وحتى على صعيد الإبداع. وأضاف ميهوبي في حديث مع موقع ”الجزيرة. نت” أنّ المجلس الأعلى للغة العربية يعمل على توسيع المحتوى الرقمي العربي ورفع حصة الجزائر فيه بتحسين المضمون الذي تحتويه الشبكة الرقمية، لأنّ حضور اللغة العربية في الأنترنت لا يتجاوز 3%، والجزائر لا تشكّل إلاّ جزءا صغيرا جدا من هذه القيمة، داعيا الباحثين إلى المساهمة الكبيرة في الأنترنت من خلال نشر أبحاثهم في مواقع متخصّصة أو مدوّنات من أجل تحقيق قيمة مضافة للغة العربية، وقال؛ ”وإلاّ سنبقى نراوح مكاننا ونعجز، كعرب مجتمعين، عن بلوغ ما تقدمه السويد لوحدها”. ونفى رئيس المجلس الأعلى للغة العربية ما يتداول من أنّ العربية في الجزائر تعيش أحلك أيامها، وأبرز أنّه لا يجب قراءة المسائل بهذه السوداوية، ذلك أنّ العالم بأسره يعيش ”فوضى لغوية”، وأضاف أنّه لا يوجد أيّ بلد في العالم غير معني بالتحوّلات التي تشهدها مسائل اللغة من تفاعلات ثقافيّة وسياسيّة واجتماعية، وتوقّع ميهوبي أن يشهد العالم خلال المائة سنة القادمة تحوّلات لغوية ”رهيبة”، مؤكّدا أنّ الأمر ليس محصورا في الجزائر، فكلّ العالم الآن يعيش ”حروبا لغوية غير معلنة لكنّها عنيفة”. وأوضح ميهوبي أيضا أنّه لا ينبغي النظر إلى الجزائر في مسألة اللغة كجزء مستقل، وإنّما ينبغي النظر إليها من خلال المُعطى العربي ككل، وبرأيه فإنّ اللغة العربية عموما سيكون لها كيانها اللغوي المستقل خلال المائة سنة القادمة بجانب الإنجليزية (التي تسعى إلى ابتلاع اللغات الأجنبية) والصينية التي تتخلّص من تعقيداتها، على اعتبار أنّ كلّ لغة لها أبجدياتها، منطوق حروفها، معجمها وبنيتها اللغوية. كما توقّف ميهوبي عند الاهتمام البالغ الذي توليه الحكومة الجزائرية في سبيل تطوير اللغة العربية منذ الاستقلال، إذ أشار إلى أنّ الجزائر هي الدولة الوحيدة التي خصّت المسألة اللغوية بثلاث هيئات أساسية، هي المجمع الجزائري للغة العربية الذي يعنى بالجانب المعجمي وتطوير اللغة تحت إشراف اللسانيين والأكاديميين، والمحافظة السامية للأمازيغية، والمجلس الأعلى للغة العربية الذي أُنشئ سنة 1998، يضطلع بمتابعة تعميم استعمال اللغة العربية في كلّ القطاعات الوزارية وفي مختلف الهيئات الرسمية، وفي نهاية كل سنة يرفع تقريرا إلى رئيس الجمهورية حول وضع اللغة العربيّة. يؤكّد ميهوبي أنّ جهودا صادقة تبذلها العديد من الهيئات في هذا الإطار، لكن العبء ليس دائما على المجلس فقط، ويحمل جزءا من المسؤوليات للمجالس المحلية المنتخبة التي عليها فهم أنّ دورها ليس ترميم الأرصفة والطرق فقط، لكن لها دور في الحفاظ على الهوية من خلال دعم انتشار العربية في المحيط، ووقف الانفلات اللغوي الحاصل لدى بعض أصحاب المحلات التجارية الذين يذهب بهم الانبهار بكلّ ما هو أجنبي إلى المساس بمكوّنات الهويّة الوطنيّة. وأوضح ميهوبي أنّ المجلس يتّجه نحو العمل الميداني من خلال ما أسماه ”العمل اللغوي الجواري” أو تعميم العربية في المحيط بهدف الحفاظ عليها وتخليصها من الرطانة والتهجين بإشراك الفاعلين في المجال سواء كانوا جمعيات أو باحثين أو جامعات أو وسائل إعلام.