تحتفل المرأة الجزائرية، اليوم، على غرار نساء العالم، بعيدها العالمي، وكلها أمل في تحقيق المزيد من المكاسب لإيجاد الحلول للعراقيل التي لا تزال تواجهها خاصة في المجال الاجتماعي، بسبب الذهنيات والعادات البالية المتخلفة التي لا تستند لا للدين ولا للقانون، بالرغم من دسترة العديد من حقوقها في مجال نبذ التمييز بين الجنسين وإقرار مبدأ المساواة بينها وبين الرجل وكذا نبذ العنف العائلي والزوجي. تتزامن الاحتفالات بعيد المرأة هذه المرة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في ال17 أفريل المقبل، والتي ستلعب فيها المرأة دورا هاما كونها تمثل نسبة كبيرة في الهيئة الناخبة، وهي المناسبة التي ترفع فيها النساء الجزائريات مطالبهن لإدراجها في برنامج الرئيس الذي سيفوز بكرسي المرادية، لتحقيق المزيد من العدل والمساواة لإيجاد حل بتشريع نص قانوني واضح يدين العنف ضد المرأة بصورة صارمة في ظل وجود فراغ قضائي لا يزال يثقل كاهل المرأة وينقص من شخصيتها وحقوقها الأساسية يتعلق أساسا بالعنف العائلي الذي لا يركز التشريع عليه ويتسامح معه المجتمع بحكم العادات والتقاليد القديمة التي لا أساس لها ولا تستند لا للقانون ولا للدين الإسلامي الذي كان ويبقى المرجع في إنصاف المرأة لأنه منحها المكانة اللائقة قبل القوانين الدولية. وتطالب العديد من المنظمات النسوية والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان الدولة اليوم أكثر من أي وقت مضى بإزالة العوائق التي تحول دون الاندماج الاجتماعي للمرأة في إطار استراتيجية وطنية جريئة وواضحة المعالم تتبنى مبدأ مكافحة العنف ضد المرأة من خلال سياسة وقائية شاملة وبرامج للرعاية وإعادة التأهيل تعتمد على الإيواء والحماية الاجتماعية، النفسية، الطبية والقانونية، لمواجهة هذه الظاهرة التي تستهدف النساء خاصة اللواتي لا يشتغلن ويكنّ مجبرات على قبول هذا الوضع مقابل إيوائهن والإنفاق عليهن خاصة في ظل الذهنيات الموروثة عن العادات المتخلفة التي لا زالت ترى في المرأة التي تدافع عن حقها ولا ترضى بالممارسات التي تهينها وتطلب الطلاق “عارا” و«عيبا”. مما يجبر هؤلاء الضحايا على السكوت خشية من نظرة الأهل والمجتمع لهن. وهو ما ينعكس سلبا على نفسيتهن ونفسية أبنائهن الذين يصابون بعقد نفسية ترافقهم مدى الحياة وتدفع ببعضهم إلى العنف والآفات الاجتماعية. وفي ظل هذه النقائص التي نأمل استدراكها، لا يمكن أن ننكر المكاسب التي حققتها المرأة الجزائرية والتي تحسد عليها حتى في البلدان المتقدمة التي لا زالت تنظر إلى المرأة كقاصر وليس لها الحق في الانتخاب وفي تساوي الراتب الشهري مع الرجل وحتى في قيادة السيارات في إحدى البلدان. وقد حظيت المرأة الجزائرية بهذه المكاسب حتى ولو كان تجسيدها تدريجيا ومتأخرا في مختلف الدساتير كالتعديلات التاريخية التي تضمنها دستور 1996 الذي عزز الحقوق السياسية للمرأة ودعم جهود إيصالها إلى مناصب اتخاذ القرار عبر المادة 31 مكرر التي تنص على أن تعمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة. وهي المادة التي تمت ترقيتها في التعديل الجزئي لسنة 2008 والتي توجت بقانون عضوي يتعلق بتوسيع مشاركة المرأة في هذه المجالس المنتخبة بمنحها حصة 20 إلى 50 بالمائة من المقاعد في المجلس الشعبي الوطني والمجالس المحلية، حيث خصصت الدولة إعانات مالية معتبرة للأحزاب التي ترشح النساء ضمن قوائمها الانتخابية. وقد مكن هذا القانون من وصول 145 امرأة في سنة 2012 إلى قبة البرلمان الذي يحتل المرتبة الأولى عربيا وال31 عالميا من حيث العنصر النسوي. ورغم هذا المكسب، مازالت النساء الجزائريات بالرغم من نضالهن التاريخي يعانين من عراقيل تحول دون وصولهن لمراكز صنع القرار بسبب الأنانية والذهنيات وعدم تطبيق القوانين بداية من الأسرة ووصولا إلى الأحزاب التي لم تلتزم بهذا القانون في الانتخابات الماضية مبررة نقص عدد النساء في قوائمها بعدم رغبتهن في المشاركة أو عدم العثور على نساء يتمتعن بكفاءات ببعض المناطق النائية. كما أن الخوض في الإطار القانوني الخاص بالمرأة لا يمكن أن يكون بمنأى عن الحديث عن قانون الأسرة الذي تمت ترقية مضامينه سنة 2005 بما يستجيب لتطلعات المرأة وأبنائها، وأوجب هذا التعديل استفادة المرأة من السكن اللائق لأطفالها إذا كانت حاضنة في حالة الطلاق كما أعطاها الوصاية وأسقط عليها ترخيص الأب لمغادرة البلاد مع أطفالها. وتجسدت هذه الإصلاحات القانونية مرة أخرى من خلال مراجعة قانون الجنسية سنة 2005، حيث منحت هذه المراجعة الجنسية الجزائرية للأطفال المولودين في الجزائر ومن أم جزائرية حتى وإن لم يولد الأب في الجزائر، وللأطفال المولودين في الخارج من أم جزائرية وأب أجنبي، ولكل أجنبي أو أجنبية متزوج من جزائرية أو جزائري. والمتأمل في صيرورة المنظومة القانونية التي تمس واقع وطموحات المرأة لا يخفى عليه ما جاء به تعديل القانون الجنائي بهدف تجريم التحرش الجنسي وإعطاء الوسائل القانونية للضحية لكي تحيل المسؤول أمام القضاء، كما شددت هذه التعديلات على معاقبة الرجل الذي يتخلى عمدا ولمدة تتجاوز شهرين عن زوجته إذا كانت حاملا أو يمتنع عن تقديم المبالغ المقررة من طرف العدالة لإعالة أسرته. وفي سياق آخر، تمكنت المرأة الجزائرية بفضل الشهادات الجامعية العليا التي تحوز عليها من تبوإ مناصب المسؤولية التي كانت حكرا على الرجال في السابق من خلال الرتب العليا التي تقلدتها في الجيش، الطيران، الطب، القضاء وغيرها وتمكنت من فرض وجودها في المجال الاقتصادي، حيث باتت تساهم بقوة وكطرف رئيسي في الدخل الوطني واقتحمت مجال الاستثمار والمقاولاتية من خلال إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة إذ تمثل نسبة 64 بالمائة من المتعاملين في هذا المجال، علما أن عدد النساء اللواتي يحزن على سجل تجاري بلغ أكثر من 124 ألف امرأة ناهيك عن اللواتي ينشطن في بيوتهن. ورغم كل ما تحقق من مكاسب لا زالت المرأة الجزائرية تطالب بآليات لتطبيق هذه القوانين التي تبقى المشكل الرئيسي الذي يواجه المرأة بسبب بعض الذهنيات والتعسفات والمضايقات التي تواجهها من بعض الرجال الذين يشعرون بالنقص والعقد كلما تعلق الموضوع بالمرأة خوفا على مصالحهم في الوقت الذي أقرت فيه الدولة ترسانة قانونية عصرية لتحقيق المساواة بين المرأة والرجل احتراما منها لمكارم الأخلاق وشيم الوفاء للمرأة وتكريما لتضحياتها في سبيل استقلال الجزائر والمساهمة في ازدهارها وتكريما لدورها في مجال تربية النشء.