ربيقة يشارك في تنصيب قائد جيش نيكاراغوا    القانون الأساسي لموظفي التربية    نثمن الانجازات التي تجسدت في مسار الجزائر الجديدة    جائزة التميّز للجزائر    شبكة وطنية لمنتجي قطع غيار السيارات    تعديل في نظام تعويض أسعار القهوة الخضراء المستوردة    اقتناء "فيات دوبلو بانوراما" يكون عبر الموقع الإلكتروني    اجتماعٌ تنسيقي بين وزير السكن ووزير الفلاحة والتنمية الريفية    رهينة إسرائيلي يقبل رأس مقاتلين من كتائب القسام    معركة فوغالة كانت بمثابة القيامة على جنود العجوز فرنسا    بوغالي يلتقي اليماحي    جنازة نصر الله.. اليوم    كل خطوة تخطوها الجزائر اليوم تقربها من ساحة البلدان الناشئة    اتحاد التجار يطلق مبادرة لتخفيض أسعار المنتجات الغذائية    باتنة: الدرك الوطني بوادي الشعبة توقيف عصابة تنقيب عن الآثار    هناك جرائد ستختفي قريبا ..؟!    هذا جديد مشروع فيلم الأمير    سايحي يتوقع تقليص حالات العلاج بالخارج    السيدة بهجة العمالي تشارك بجنوب إفريقيا في الاجتماع المشترك لمكتب البرلمان الإفريقي    تعزيز المطارات بأنظمة رقابة رقمية    الإجراءات الجمركية مطبّقة على جميع الرحلات    تكنولوجيا جديدة لتقريب الطلبة من المحيط الاقتصادي    استفادة 4910 امرأة ريفية من تكوين في الصناعة التقليدية    عشرات الأسرى من ذوي المحكوميات العالية يرون النّور    رئيس مجلس الشيوخ المكسيكي يجدّد دعمه للجمهورية الصحراوية    احتجاجات تعمّ عدة مدن مغربية    اعتماد 4 سماسرة للتأمين    المجاهد قوجيل يحاضر بكلية الحقوق    وفد من المجلس الشعبي الوطني يزور صربيا    دراجات/الجائزة الدولية الكبرى لمدينة الجزائر: ياسين حمزة (مدار برو سيكيلنغ) يفوز بنسخة-2025    مستفيدون يُجرون تعديلات على سكنات تسلَّموها حديثاً    مبادرات مشتركة لوقف إرهاب الطرق    مدرب مرسيليا الفرنسي يوجه رسالة قوية لأمين غويري    نادي ليل يراهن على بن طالب    استعمال الذكاء الاصطناعي في التربية والتعليم    تراث مطرَّز بالذهب وسرديات مصوَّرة من الفنون والتقاليد    رضاونة يجدّد دعوة ترسيم "الأيام العربية للمسرح"    مولودية الجزائر تطعن في قرار لجنة الانضباط    المؤتمر السابع للبرلمان العربي ورؤساء المجالس والبرلمانات العربية يؤكد رفضه التام والكامل لكل أشكال التهجير للشعب الفلسطيني    العاب القوى/الملتقى الدولي داخل القاعة في أركنساس - 400 متر: رقم قياسي وطني جديد للجزائري معتز سيكو    الأولمبياد الوطني للحساب الذهني بأولاد جلال: تتويج زينب عايش من ولاية المسيلة بالمرتبة الأولى في فئة الأكابر    رئيس الجمهورية يدشن بتيبازة مصنع تحلية مياه البحر "فوكة 2"    كرة القدم/رابطة 1 موبيليس (الجولة 17): نادي بارادو - مولودية الجزائر: "العميد" لتعميق الفارق في الصدارة    عرض النسخة الأولى من المرجع الوطني لحوكمة البيانات    صِدام جزائري في كأس الكاف    هلاك 4 أشخاص وإصابة 228 آخرين في حوادث المرور خلال 24 ساعة    صحة: المجهودات التي تبذلها الدولة تسمح بتقليص الحالات التي يتم نقلها للعلاج بالخارج    أنشطة فنية وفكرية ومعارض بالعاصمة في فبراير احتفاء باليوم الوطني للقصبة    ترسيم مهرجان "إيمدغاسن" السينمائي الدولي بباتنة بموجب قرار وزاري    تسخير مراكز للتكوين و التدريب لفائدة المواطنين المعنيين بموسم حج 2025    اختيار الجزائر كنقطة اتصال في مجال تسجيل المنتجات الصيدلانية على مستوى منطقة شمال إفريقيا    مبارتان للخضر في مارس    حج 2025: إطلاق عملية فتح الحسابات الإلكترونية على البوابة الجزائرية للحج وتطبيق ركب الحجيج    هكذا تدرّب نفسك على الصبر وكظم الغيظ وكف الأذى    الاستغفار أمر إلهي وأصل أسباب المغفرة    هكذا يمكنك استغلال ما تبقى من شعبان    أدعية شهر شعبان المأثورة    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خمسون سنة من الجهود والنضال لتجسيد مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة‎
نشر في المساء يوم 05 - 07 - 2012

كسر طابو المشاركة السياسية... في انتظار مساهمة أكبر في التنمية الاقتصادية
من الصعب الحديث عن المرأة الجزائرية ونحن نحتفل بخمسينية الاستقلال، لأنه من غير المنصف أن نحصر كل ما أدته قبل وبعد استرجاع السيادة الوطنية، ودورها الفاعل والفاصل في كل جوانب الحياة الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، دون أن ننسى المساهمة المميزة لها في حرب التحرير الوطني والكفاح المسلح منذ السنوات الأولى للاستعمار. والجزائر المستقلة لم تنس أهمية هذا الدور، كما لم تسلم الجزائريات يوما بالأمر الواقع، ولم يتوقفن يوما عن الكفاح لتحقيق مبدأ المساواة الذي أقره بيان أول نوفمبر، وكل الدساتير الجزائرية منذ 1962. فمايقره القانون تواجهه بعض الذهنيات بالرفض وتحول دون تحقيقه، لذا فإن الوعي بمواصلة النضال أخذ أشكالا جديدة مكنها بالفعل من تبوّأ مكانة مهمة في المجتمع.

وشهدت السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة في اتجاه تحقيق ماتنص عليه المادة 13 من الدستور، والتي تقول صراحة :«تستهدف المؤسسات ضمان مساواة كل المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات بإزالة العقبات التي تعوق تفتّح شخصية الإنسان، وتحول دون مشاركة الجميع الفعلية في الحياة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية”.
الريادة العربية للمرأة الجزائرية في التمثيل السياسي
ولعل آخر مكسب تحقَّقَ في هذا الشأن هو إقرار القانون العضوي لتمثيل المرأة في المجالس المنتخبة، والذي أعطى حصة محددة للنساء في كل الانتخابات مهما كانت طبيعتها. وقد أفضى أول تطبيق لهذا القانون إلى تمكن أكثر من 140 امرأة من حجز مقاعد في البرلمان الجزائري المنتخب شهر ماي الفارط، مما عزز ترتيب الجزائر العالمي في مجال المشاركة السياسية للمرأة، حيث تصدرت الجزائر الريادة في العالم العربي، فيما أصبحت تصنف في المرتبة ال25 عالميا.
هذا المكسب الذي وإن لم يحقق مبدأ المساواة كاملا، لاسيما بعد التعديلات التي أجريت على القانون في البرلمان السابق، والذي خفض النسبة المخصصة للنساء، فإنه فرض تواجد المرأة بنظام الحصص كوسيلة يبدو أنه لابديل لها لتشجيع المرأة على اقتحام عالم السياسة ومواجهة العقليات التي مازالت تعتبر أن السياسة فعل ذكوري بامتياز. كما يأتي ليدفع النساء إلى خوض غمار السياسة، لاسيما وأن الدراسات تؤكد أن الجزائريات يفضلن أكثر العمل الجمعوي على النضال السياسي، لاقتناعهن بأن التغيير ممكن أكثر في المجال الاجتماعي الميداني منه في المجال السياسي أو الحزبي. وفي هذا الشأن، أكدت دراسة وطنية أعدها المركز الوطني للأنثربولوجيا الثقافية والاجتماعية بالاشتراك مع الوزارة المنتدبة المكلفة بالأسرة وقضايا المرأة، هدفها توضيح علاقة المرأة بالعمل، وجوانب أخرى، أن عدد الناشطين في المجتمع المدني في الجزائر ضئيل، إذ لايتجاوز نسبة 6 بالمائة من السكان، في حين تصل النسبة إلى 11 بالمائة في المغرب و40 بالمائة في بعض البلدان المتقدمة. وضمن ال6 بالمائة، عدد النساء قليل، لكن لوحظ أنهن ينشطن في الجمعيات وليس في الأحزاب السياسية، حيث أن عددهن قليل جدا في هذه التشكيلات.
وحسب ذات الدراسة، فإن سبب عدم اهتمام المرأة بالعمل السياسي والحزبي في الجزائر يعود إلى كون المجتمع المدني يعمل على مستوى جواري، كما أنه مختص في مجالات معينة كالنساء أو الأطفال، ولذا فإن الحصول على نتائج ملموسة وسريعة ممكن. عكس مايحدث في الأحزاب التي تميزها الخطابات الكثيرة والعلاقات السلطوية الكبيرة. كما أن وصول النساء إلى مناصب القرار صعب.
وإذا كان القانون العضوي السابق الذكر قد تمكن فعلا من كسر طابو المشاركة النسوية في البرلمان، فإن البداية كانت بمنح المرأة حق الانتخاب منذ 1962، وهي السنة التي دخلت فيها المرأة البرلمان لأول مرة، فحق الانتخاب والترشح مكفول لها دستوريا منذ الاستقلال، ودعم ذلك إلغاء انتخاب المرأة بالوكالة في 1989، وهو مارفع نسبة النساء المصوتات بأنفسهن مباشرة في الانتخابات إلى 60 بالمائة.
وتواجدت المرأة في أغلب المجالس المنتخبة محليا ووطنيا وترأست بلديات، كما تم تعيين أول امرأة واليا، بل ورقيت المرأة لأول مرة كذلك إلى رتبة جنرال، كما عرفت الانتخابات الرئاسية ترشح أول امرأة، وهي زعيمة حزب العمال السيدة لويزة حنون، دون أن ننسى تقلد نساء لمناصب وزارية وكذا دبلوماسية كسفيرات للجزائر في الخارج.
نسبة معتبرة للنساء في القضاء والتعليم
وإذا كان المجال السياسي بعيد عن تحقيق مبدأ المساواة، فإن المرأة الجزائرية اقتحمت مجالات أخرى بكل قوة، على رأسها القضاء الذي تحتل فيه أكثر من ثلث المناصب، بل وتقلدت منصب رئيس مجلس الدولة، إضافة إلى مناصب هامة؛ مثل قاضية، رئيسة محكمة، رئيسة مجلس وحتى وكيل جمهورية، وعموما تمثل المرأة في هذا السلك ثلث عدد القضاة، وهو وضع فريد من نوعه، لاسيما في الوطن العربي، حيث مازالت المرأة لاتتولى منصب قاضية في بعض هذه البلدان.
وفي مجال التعليم، استطاعت المرأة أن تحقق قفزة نوعية سواء من حيث عدد الإناث المتمدرسات والمتفوقات في الامتحانات الرئيسية، وكذا المتواجدات بالجامعة، ومن حيث عدد المعلمات والأستاذات الذي فاق بكثير عدد المدرسين والمعلمين، وهو ماجعل سلك التعليم يتأنث في السنوات الأخيرة بصفة ملحوظة. وقد ساهم بناء عدد كبير من المدارس في كافة الأطوار، لاسيما في المناطق المنعزلة، من دعم التحاق الإناث بالتعليم، كما تولي الدولة اهتماما بتعليم حتى المسجونات.
وقد أعطت هذه المجهودات ثمارها، وهو ماتؤكده الأرقام التي تشير من عام إلى آخر أن عدد البنات المتفوقات في الدراسة أعلى من عدد البنين، وهو مارسخته نتائج بكالوريا العام الجاري 2012، حيث أوضحت أرقام وزارة التربية الوطنية أن نسبة النجاح في البكالوريا بلغت قرابة 60 بالمائة، ومن بين الناجحين، تمثل الفتيات نسبة 65 بالمائة. رقم يضاف إلى أرقام أخرى تبرز كل عام تفوّق الجنس اللطيف في مجال الدراسة وفي كافة الأطوار، مما يؤكد وجود مساواة في الالتحاق بالتعليم والحصول عليه بين الجنسين، لاسيما وأن تعليم الفتاة بالجزائر من الأمور التي تعي أغلب الأسر، حتى في المناطق النائية أهميته. مع ذلك، فإن أرقام مؤسسات وجمعيات محو الأمية التي تشير إلى أن عدد النساء الأميات أكبر من الرجال الأميين، تدعو إلى بذل جهود أكبر في هذا المجال لتدارك التأخر.
وفي ذات الميدان، فإن تطورات ملحوظة تمت على مستوى التكوين المهني للنساء، لاسيما بعد أن استحدثت آليات جديدة سمحت على سبيل المثال للنساء الماكثات بالبيت في متابعة تكوينات تتيح لهن الفرصة لخلق مؤسسات مصغرة وتحقق لهن بالتالي الاستقلالية المالية، وهي الآلية التي عرفت نجاحا معتبرا بالنظر إلى نسبة الملتحقات بها وقدرتهن على الاستمرارية عبر مشاريع في قطاعات مختلفة. وعموما، تبلغ نسبة النساء الملتحقات بمراكز التكوين المهني في كافة تخصصاته أكثر من 40 بالمائة.
تعديلات هامة في قانوني الأسرة والجنسية
كانت التعديلات التي عرفها قانون الأسرة في 2005 ذات أهمية بالغة، إذ استجابت لجملة من المطالب التي ناضلت من أجلها عدة جمعيات ناشطة في مجال حقوق المرأة، لاسيما بعد التأثيرات السلبية لبعض أحكام القانون القديم على الأسرة الجزائرية، وبالتالي الأطفال. ومن أهم التعديلات التي عرفها قانون الأسرة، يمكن أن نشير إلى: تعزيز دور النيابة العامة باعتبارها طرفا أساسيا في دعاوى الأحوال الشخصية، توحيد سن الزواج ب19 سنة للجنسين، اشتراط تقديم شهادة طبية للزوجين قبل العقد، إخضاع تعدد الزوجات لعدد من الشروط؛ منها الرضا المسبق للزوجة الأولى والجديدة، مع الترخيص لرئيس المحكمة للتأكد من التراضي وكذا النظر في أسباب الزواج وأهلية الزوج، للعدل وضمان شروط الحياة الزوجية، إلغاء الزواج عن طريق الوكالة واعتبار رضا الطرفين شرطا لإتمام العقد، حق الزوجين أن يشترطا في عقد الزواج أو عقد رسمي لاحق كل الشروط التي يعتبرانها ضرورية، الإجازة للقاضي لإثبات النسب باستخدام الوسائل العلمية، إلزام الزوج في حالة الطلاق على ضمان المسكن لأبنائه القصر الذين تسند حضانتهم للأم أو إعطاء بدل كراء سكن لائق، إضافة إلى ضمان استقلالية الذمة المالية للمرأة...الخ.
في ذات السياق، عرف قانون الجنسية تعديلا هاما لصالح المرأة الجزائرية، بعدما أصبح ينص على الاعتراف بالجنسية الجزائرية الأصلية بالنسب عن طريق الأم، ومنح امتياز الحصول على الجنسية الجزائرية عن طريق الزواج مع جزائري أو جزائرية، وإلغاء شرط إسقاط الجنسية الأصلية للحصول على الجنسية الجزائرية.
صحة المرأة والطفل .. أولوية في المخططات الصحية
وفي مجال صحة المرأة، فإن كل الأرقام والإحصاءات تشير إلى التقدم الملحوظ الذي عرفته الجزائر في هذا المجال منذ الاستقلال، حيث وضعت الدولة سياسة صحية تقوم على أساس التخطيط العائلي وحماية صحة الأم والمولود، مع القضاء على الأمراض المتنقلة جنسيا والأمراض المتنقلة عن طريق المياه.
واستطاعت هذه السياسة أن تحقق نتائج إيجابية سواء في تعميم استخدام موانع الحمل بنسبة 80 بالمائة، أو في متابعة الحمل والأطفال الرضع، وهو مادعم حماية الأمومة والطفولة، لاسيما بعد إقرار الطب المجاني وماتبعه من إنجاز عيادات وقطاعات صحية جوارية ومراكز عمومية وصل عددها إلى حوالي 5000 هيكل. كما شرعت وزارة الصحة منذ أفريل 2006 في تطبيق برنامج وطني متعلق بتنظيم طب فترة ماقبل الولادة ومابعدها، وطب حديثي الولادة. وفي ذلك رغبة في خفض حالات الوفاة عند الولادة التي مازالت مرتفعة ببلادنا مقارنة بالمقاييس العالمية.
ويضاف إلى هذا مجهودات أخرى لمكافحة أمراض أخرى، لاسيما سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم، اللذين وضعا لهما برنامجين خاصين من أجل تعميم الكشف المبكر، وكذا توفير العلاج واللقاح بالنسبة للنوع الثاني.
مشاركة غير كافية في النشاط الاقتصادي
اقتصاديا، ورغم كل التطورات الحاصلة في إطار دمج المرأة بالحياة التنموية للبلاد، لاسيما عبر ضمان مبدأ المساواة في العمل بينها وبين الرجل، فإن الأمور تسير في هذا المجال ببطء، حيث لاتتعدى نسبة النساء المشاركات في النشاط الاقتصادي 15 بالمائة، أغلب هؤلاء موجودات في قطاعي التربية والصحة، إضافة إلى القضاء، أي في الوظيف العمومي.
مع ذلك، فإن السنوات الأخيرة شهدت تطورا معتبرا في عدد النساء اللواتي يلجأن إلى العمل لحسابهن الخاص، بعد أن أقرت الدولة جملة من الإجراءات المشجعة، لاسيما إنشاء وكالات دعم تشغيل الشباب ودعم القرض المصغر التي سهلت الأمر على السيدات الراغبات في إقامة مشاريع خاصة، وهو مارفع نسبتهن إلى حوالي 35 بالمائة... مع ذلك فإن نسبة المقاولة النسوية تبقى بعيدة عن التطلعات إذا ماقارناها بماهو حادث في البلدان المجاورة، كما أنها موجودة في نطاق ضيق وفي قطاعات نشاط نسوية بامتياز.
وتؤكد دراسة أجريت في هذا الموضوع، أن المقاولة تستقطب بشكل أكبر فئة النساء غير الجامعيات، رغم عددهن المتزايد عاما بعد آخر. كما تقول بأن أهم القطاعات التي تتوجه لها النساء المقاولات هي النسيج والعقار والخدمات، مع توجّهٍ نحو التصدير والاستيراد مؤخرا.
وتوضح من جانب آخر أن عزوف الطالبات الجامعيات عن المقاولة وتفصيل التوظيف، راجع إلى جملة من الأسباب، من بينها الرغبة في الاستقرار والحصول على أجر ثابت، وكذا الحصول على وقت فراغ وعطل محددة، وهو مالايسمح به العمل في المقاولات.
كما أن للمحيط الاجتماعي تأثيرا على توجه البنات نحو الاستثمار الخاص، ولوحظ أن المجموعة الأكثر تأثيرا هي العائلة التي عموما لاتعارض هذا التوجه، ولكنها تؤثر في طبيعة القرار واتخاذه. أما الأساتذة أو الجامعة، فأشارت الدراسة إلى أن تأثيرها ضعيف، وهو مايؤكد أنها لاتشجع على الاستثمار بل على التوظيف. يضاف إليها أسباب أخرى تتعلق بشخصية النساء واعتقاداتهن، إذ يتخوف بعضهن من خوض المغامرة، كما تشير أخريات إلى عدم رغبتهن في تحدي العادات والتقاليد، لاسيما في بعض المناطق الداخلية، وعكس مايعتقد، فإن الريف هو مكان محفز لإقامة مشاريع عكس المدينة، بالنظر إلى قلة فرص التوظيف به.
ويرى البعض أن ضعف المقاولة النسوية بالجزائر راجع إلى عوامل أخرى موضوعية، أهمها غياب فضاء خاص بالنساء يسمح لهن بالاطلاع عن كثب على الإجراءات المختلفة الخاصة بالاستثمار، وهو مايدعوهم إلى القول بأن عامل المساواة بين الرجل والمرأة هنا غائب.
العنف ضد المرأة... انشغال كبير
على المستوى الاجتماعي، مازالت المرأة في الجزائر ورغم كل المجهودات والمبادرات التي تقوم بها الدولة والمجتمع المدني، عرضة للكثير من المظاهر السلبية الناجمة عن ترسخ بعض العقليات الرجعية التي مازالت تنظر للمرأة بطريقة بدائية. ومن أهم الظواهر التي مازالت تشغل بال العاملين في المجال الحقوقي، والتي تعد نقطة سوداء في الوضع الاجتماعي للنساء، نجد العنف المنزلي الذي مازال يطرح نفسه بشدة. فلحد الآن، لم تفلح الاستراتيجيات التي وضعتها وزارة الأسرة وقضايا المرأة في الحد من هذه الظاهرة التي ازدادت اتساعا، حسب الناشطين في المجتمع المدني الذين حذروا من ترك الأمور على ماهي عليه، لما للظاهرة من تأثيرات سلبية على الأسر الجزائرية.
فرغم أن الدولة الجزائرية أولت اهتمامها بمكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة، ورغم أن بعض مظاهر هذا العنف؛ كختان البنات أو جرائم الشرف، ليست منتشرة ببلادنا كما في بلدان عربية أخرى، ورغم أن الجزائر صادقت على الكثير من الاتفاقيات العالمية، منها مايخص مكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة أو مكافحة الاتجار بالبشر، وأنشأت مراكز للاستماع واستقبال النساء في شدة، إضافة إلى وضع إستراتيجية لمكافحة العنف ضد المرأة، فإن حقوقيين يقولون أن الواقع ينذر بمؤشرات خطيرة.
وترجع آخر دراسة أعدتها وزارة الأسرة وقضايا المرأة حول الموضوع إلى سنة 2003، وجاء فيها أن 50 بالمائة من النساء المعنفات متزوجات، و1, 36 المائة عازبات، و4 ،7 بالمائة مطلقات و6 ،6 بالمائة أرامل . وتبلغ نسبة العنف الممارس ضد المرأة في المنزل 9ر64 بالمائة مقابل 4ر26 بالمائة في الأماكن العمومية و5ر4 بالمائة في أماكن العمل، إلى جانب 3ر2 في أماكن أخرى.
كما أن 64 بالمائة من حالات العنف ضد المرأة “خطيرة للغاية”، ويتصدر الزوج قائمة ممارسي هذا العنف بنسبة 4ر29 بالمائة، يليها الإخوة بنسبة 6 بالمائة، ثم الأب بنسبة1ر2 بالمائة، والخطيب بنسبة 2 بالمائة، إلى جانب العنف الممارس ضد المرأة من قبل الأبناء الذي بلغ 4ر5 بالمائة ومصادر أخرى للعنف تتمثل في الأقارب بنسبة 1ر8 بالمائة، الجيران بنسبة 5ر19 بالمائة والمعارف بنسبة 1ر13 بالمائة، و5ر2 بالمائة من طرف السلطات العمومية.
إلا أن الدراسة تشير إلى أن العنف الجنسي واللفظي والبسيكولوجي أكثر خطورة من العنف الجسدي، إلى جانب العنف الإقتصادي الذي يظهر من خلال اختلاس أموال المرأة العاملة واحتجاز وثائقها الشخصية الخاصة.
وإذ يشير الناشطون في مجال حقوق الإنسان أنه من الصعب إحصاء عدد النساء المعنفات بدقة لأن الكثير منهن لايبلغن، فإن البعض يتحدث عن 2000 حالة سنويا من النساء الضحايا اللواتي يبلّغن رسميا.
في كل الأحوال، فإن المرأة الجزائرية تمكنت بجدارة من إثبات قدراتها وفرض نفسها في مجالات حياتية مختلفة، وهي بنضالها الذي يبدأ منذ صغر سنها بالإصرار على النجاح في دراستها، لتثبت أنها ليست أقل شأنا من الرجل، تعمل على اكتساب حقوقها التي مازالت بعض العقليات والذهنيات تحرمها منها بتبريرات أحيانا دينية، وفي الأغلب ذات علاقة بأعراف وتقاليد متوارثة.
ولايمكن إغفال المجهودات التي بذلتها الدولة الجزائرية منذ استرجاع السيادة الوطنية في سبيل تجسيد فكرة المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وإعطاء المرأة التي تليق بكل نضالاتها المتواصلة منذ قرون للحفاظ على البلاد من كل الأخطار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.