تعتبر الدكتورة فطيمة زينات المختصة في الأرطوفونيا، أستاذة بجامعة الجزائر 2، أن فرط الحركة وقلة الانتباه عند الأطفال من الأمراض النفسية التي تظهر أعراضها في السنوات الأربعة الأولى من عمر الطفل، مشيرة إلى أن عدم وعي الآباء بهذا المرض يؤخر تشخيصه، بالتالي يصعب من عملية التكفل به. ”المساء” التقت المختصة على هامش لقاء علمي متخصص نظم مؤخرا بالعاصمة حول الإعاقة، وحاورتها حول هذا المرض الذي تقدم المختصة بعض النصائح المفيدة للتعامل معه. هل يعد فرط الحركة مرضا، ولماذا؟ في البداية، أشير إلى أن أعراض مرض فرط الحركة تبدأ في السنوات ال 4 الأولى من حياة الطفل، وكمختصين نستطيع الكشف عنها بملاحظة الإفراط في حركة الطفل التي عادة ما تكون مصحوبة بتشتت الانتباه، إلى جانب أعراض الانسحاب الاجتماعي أو التقوقع الذاتوي، وكذا اضطرابات النوم. لكن أود أن أشير إلى أن العديد من الأسر سواء الآباء أو الأمهات لا يدركون أو يعرفون شيئا عن مرض فرط الحركة وقلة الانتباه الذي يصيب عددا معتبرا من الأطفال ويفسرونه على أنه نوع من قلة التربية أو (المْعاندة)، كما يقال بالعامية، لكن هذا غير صحيح، فمن الخطأ استخدام العنف أو الضرب تجاه الطفل الذي يعاني فرط الحركة بهدف ضبط سلوكه، هنا لا بد أن يدرك الآباء أن أبناءهم مرضى لا حيلة لهم فيما يصدر عنهم من أفعال، وأنهم في الحقيقة بحاجة إلى العلاج والرعاية أكثر من التوجيه والزجر.
وهل لهذا المرض علاج معين على الأقل للتخفيف منه؟ يمكن علاج هذا المرض بالأدوية، لكن العلاج السلوكي أحسن، لذلك نؤكد على أهمية التشخيص المبكر لمرض فرط الحركة وقلة الانتباه، ربما توعية الأسر، خاصة المقبلين على الزواج، بالأمراض التي قد تصيب أطفالهم، خاصة بالنسبة لزواج الأقارب من الدرجة الأولى، هؤلاء تعد إصابة أطفالهم ببعض الأمراض الوراثية محتملة جدا، لذلك فإن مسألة التوعية والتحسيس مهمة، خاصة أن المعلومة المتخصصة أصبحت اليوم متوفرة مع التطور التكنولوجي الهائل. وبالرجوع إلى سؤالك، أشير إلى أن فرط الحركة عبارة عن اضطراب عضوي المنشأ، ويمكن استخدام العلاج الدوائي لمواجهته، وهي مهمة طبيب الأطفال أو المختص في الأعصاب، وتظهر فوائد هذا العلاج في التقليل من الحركة الزائدة مما يزيد من فترات هدوء الطفل والتقليل مثلا من الجري والقفز، لكن العلاج السلوكي مهم جدا لأنه مكمل للعلاج الأول، كمختصة أعمل على زيادة نسبة الانتباه لدى الطفل المريض بفرط الحركة والحد من الاندفاعية لديه حتى يستطيع التصرف بهدوء عوض التصرف العنيف أو المباغت أو السريع دون تفكير وتعقل، هذا الأمر من شأنه إعادة تنظيم سلوك الطفل بما يساعده على الحد من فرط الحركة والاندفاعية، مما يؤدى إلى تقبل المحيطين به وزيادة مهاراته الاجتماعية.
ذكرتم أن التوعية بمرض فرط الحركة مهمة لتشخيصه مبكرا، هل لديه أعراض معينة تساعد الأهل في التعرف عليه؟ إن الطفل المصاب بفرط الحركة تظهر لديه العديد من العلامات الدالة على إصابته بهذا المرض، حيث يبدو كثير الحركة لا يهدأ أبدا، مندفعا ويميل دائما إلى تحطيم الأشياء المحيطة به دون قصد، نتيجة عدم الانتباه، كما أنه غير قادر على التركيز لفترة طويلة، تراه ينقل انتباهه من شيء إلى آخر دون توقف، يلاحظ الأشياء الصغيرة التي قد لا يلحظها الأشخاص الطبيعيون، بالإضافة إلى عدم القدرة على الجلوس هادئا حتى لفترة قصيرة. وأشير إلى أن الإفراط في الحركة يظهر بصورة أكثر وضوحا لدى الأطفال خلال المرحلة العمرية الممتدة من 4 إلى 10 سنوات، تكون أكثر وضوحا عند الالتحاق بالمدرسة، وتعود الإصابة بالمرض إلى أسباب وراثية نتيجة وجود خلل في بعض مناطق الدماغ.
كيف تقيمون وعي الأسر بهذا المرض؟ العديد من الآباء يصنفون أبناءهم الذين يعانون هذا المرض بكونهم (قافزين)وهذا الجهل بالمرض لا يقتصر على فئة دون أخرى، لذلك نؤكد على أهمية التثقيف والوعي بطبيعة الأمراض خاصة الوراثية منها، لأن مجتمعنا لا يزال يشجع الزواج بين الأقارب، لكن لا بد للوالدين أو المحيطين بالطفل الذي يعاني فرط الحركة أن يدركوا حقيقة مرضه، فالجهل لا يرهن علاج الطفل المريض فحسب، بل يمكن أن يؤدى في حالات عديدة إلى تفكك بعض الأسر وانفصال الوالدين نتيجة الجهل بحالة الطفل المرضية، فغالبا ما يلقي الأب بمسؤولية الطفل وأفعاله على الأم التي تشعر بالفشل في تربية ابنها أو ابنتها، وهو ما قد ينتهي إلى الطلاق بسبب الضغوط النفسية والعصبية التي تمر بها الأسرة، لذلك نشدد على توعية الأسرة بطبيعة هذا المرض، وهو الجزء الأهم في العلاج، مع ضرورة عرض الطفل على الطبيب المختص بالأمراض النفسية والعصبية. أما الأم التي لديها طفل مصاب بفرط الحركة فلا بد أن تعلم أن هذه الحالة مرضية ليس للطفل يد فيها، كما أنها ليست ناتجة عن سوء التربية أو العناد، كما أن العلاج عنصر أساسي في استقرار حالة الطفل، ولا بد أن تدرك أن الإهمال من شأنه أن يضاعف من تدهور حالة طفلها.
هل نفهم من هذا أن فرط الحركة مرض خطير؟ ليس خطيرا بحد ذاته، لكن من المهم جدا تشخيصه مبكرا ليكون العلاج فعالا، في المقابل تظهر خطورة المرض خاصة بالنسبة للأطفال المتمدرسين، وتتمثل أساسا في الفشل الدراسي وعزلة الطفل عن الآخرين وعن البيئة والمجتمع المحيط به. قد يتعرض الطفل المريض أيضا لسوء المعاملة بين الأهل والأصدقاء والمعلمين، مما يجعل الطفل يكوّن شعورا معاديا للمجتمع المحيط، ينجم عن هذا شخصية معادية للمجتمع والمحيطين بها.. لذلك نوضح ونؤكد على أهمية الوعي بمرض فرط الحركة وتشخيصه مبكرا، بالتالي حماية الطفل وأسرته ومجتمعه ككل.
هل من نصائح توجهونها للأسرة والمجتمع عموما حول فرط الحركة؟ لا يوجد حل سريع للتعامل مع مرض فرط الحركة، لكن نجاح العلاج يعتمد على تعاون الأسرة، المدرسة والمختصين، سواء الطبيب أو علم النفس، الأرطوفونيا، والأهم اتباعهم لأساليب مشتركة للتصرف بالشكل الصحيح مع الطفل. ومن ذلك نجاح التشخيص بأن ما يعانيه الطفل هو فرط الحركة وعدم الانتباه، والأهم على الإطلاق تكوين فريق مشترك ومتخصص لعلاج ومتابعة الحالة المرضية.