تذكرت أمس مع انطلاق الأسبوع العربي للمرور بداية الخامس ماي من كل سنة، حجم الضحايا والمعاقين والمصدومين وكذا الذين يتكبدون خسائر مادية أخرى، فتراءت أمامي مشاهد السرعة المفرطة والتهور المظلم الذي يتملك سائق المركبة فتصبح المركبة سائقة له نحو مدارج المخاطر والخسران، ومهما ظلموا المركبة بالنظر إلى قدمها أو تهالكها المفاجئ أو أشاروا بأصابع الاتهام إلى الطريق المهترئ غير المهيأ فإن مربط الفرس في العامل البشري. ومثلما تؤدي السرعة المفرطة والتهور إلى كوارث مرورية يكون مسرحها الطرق والشوارع فإن ذلك موجود أيضا في مجالات أخرى غير قيادة المركبات، سواء في المجال السياسي، الاقتصادي والاجتماعي وغيرها، والأمثلة في الواقع كثيرة ومتعددة تعكس نفس الصورة في حركة الحياة التي إن زادت فيها الأمور عن حدها انقلبت إلى ضدها. ففي المجال السياسي يخطئ من يتصور أن الوصول إلى أهداف والانتشار وقوة الإقناع بسرعة تحرق الأشواط وتتعدى الضوابط الاجتماعية والمقاييس الزمنية الملائمة، وقد رأينا في الميدان محاولات السير أو المرور السياسي بسرعة فائقة كيف يكلف أصحابه فواتير مرهقة وعزوفا اجتماعيا ونفورا نفسيا واضحا، مما يعيدنا إلى ضرورة التحسيس بالوقاية من الحوادث السياسية المميتة أيضا. وكذلك الأمر للمهتمين بعالم الاقتصاد، حينما تدفعهم الأنفس الجشعة والذهنيات الطماعة إلى كسب السوق واحتكار النشاط في ظرف قياسي خارج الأطر القانونية والاجتماعية ومحاولة تحقيق الربح بالسرعة المفرطة وعدم الانتظار لمدة طبيعة غير مهجنة أو اصطناعية. وليس الشأن الثقافي في منأى عن معادلة السرعة المفرطة فترسيخ ثقافة معينة أو تهذيبها أو تغييرها ليس بالسهل، وربما تكون المجالات الأخرى أيسر وأهون، ولذلك فالمناورات بقلب القناعات الثقافية في ظرف قياسي مرهقة وغير مضمونة النتائج، كون السرعة الطبيعية في كل شيئ هي الأضمن والأمتن.