جدّد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، تعهّده بإحداث تطوير عميق في الدستور وترقية الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء جزائر قوية تسير نحو العصرنة. وقال في رسالة بمناسبة إحياء الذكرى ال 69 لمجازر 8 ماي 1945، “سأعكف في القريب على إنجاز ما التزمت به من إحداث تطوير عميق في الدستور، وفي ترقية مناخ الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية... ترقية تفضي إلى جزائر قوية متوثبة نحو التقدم والحداثة”. ويأتي هذا التأكيد غداة تعيين الحكومة الجديدة وأول اجتماع لمجلس الوزراء، الذي وضع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة خلاله أسس خطة العمل السياسية والاقتصادية وأولويات المرحلة القادمة في جميع الجوانب؛ بغية الاستجابة لتطلعات الشعب، لا سيما فئة الشباب. ويُعد تعديل الدستور من أهم الأولويات السياسية التي أشار إليها رئيس الجمهورية في مناسبات عدة، لذا دعا إلى مشاركة كافة الفاعلين السياسيين “في كنف احترام الاختلافات من حيث هي أمر مقبول في بلادنا، التي تفتخر بالمستوى الذي بلغته بتعدديتها الديمقراطية”، كما قال، مجددا، في الوقت نفسه، نداءه إلى الشخصيات والأحزاب السياسية والمنظمات من أجل المساهمة في الورشة، التي أُعطي لها “بعد وطني”، والتي ستكون مهمتها “مراجعة توافقية للدستور”. ويُنتظر أن يعلَن منتصف ماي الجاري عن اقتراحات التعديلات التي خلصت إليها لجنة الخبراء، والتي ستتلقاها الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والجمعيات، ليتم الشروع، مطلع جوان المقبل، في المشاورات تحت إشراف وزير الدولة ومدير ديوان رئاسة الجمهورية السيد أحمد أويحيى، لعرض ومناقشة آرائها وتعقيباتها، وربما اقتراحاتها البديلة لاقتراحات اللجنة التي يكون لها ما يكفي من الوقت لدراستها. في السياق، ذكر الرئيس بأن لجنة الخبراء قامت بصياغة “اقتراحات تعديل”؛ بغية “تعزيز الديمقراطية التشاركية، وتدعيم الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتوطيد دولة الحق والقانون في بلادنا”، موضحا أن “التعديلات التي اقترحتها هذه اللجنة ترمي، بشكل ملموس، إلى تعزيز الفصل بين السلطات ودور البرلمان، وتوطيد استقلالية القضاء، وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها، وتقوية ضمانات حقوق المواطنين وحرياتهم”. وفي الشق الاقتصادي فإن أولويات الحكومة حددتها خارطة الطريق، التي وضعها الرئيس بوتفليقة، وتخص، في المقام الأول، مخطط التنمية الخماسي الجديد 2015-2019، الذي يهدف إلى تعزيز مقاومة الاقتصاد الجزائري لانعكاسات الأزمة المالية العالمية، وتطوير اقتصاد تنافسي ومتنوع. ورغم أن المخطط الجديد سيندرج في سياق مواصلة البرامج التنموية السابقة، فإن الواضح - حسب تصريحات الرئيس - أنها ستحدث القطيعة مع النماذج السالفة. فالجديد أن البرنامج سيتم إعداده بالتشاور مع كافة الفاعلين الاقتصاديين، كما أنه سيوضع على أساس تقييم البرامج التنموية السابقة وكذا على أساس رؤية أكثر اتجاها نحو بناء اقتصاد منتج وتنافسي، بإمكانه إخراج الجزائر من دائرة الريع البترولي. وفي الشق نفسه وعلى المستوى الخارجي، فإن الجزائر تضع ضمن أولوياتها استكمال ملف الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، من خلال الإسراع في المسار الذي شُرع فيه منذ 1987. وأكد رئيس الجمهورية يوم الأربعاء في توجيهاته للحكومة الجديدة، على الإسراع في “مواصلة المفاوضات من أجل انضمام الجزائر إلى هذه المنظمة العالمية للتجارة، مع السهر على حماية مصالح الاقتصاد الوطني”. وهو ما كان وزير التجارة الجديد عمارة بن يونس الذي استلم مهامه الثلاثاء الماضي، قد شدّد عليه عندما قال إن “المهمة الرئيسة والجوهرية والأولوية التي حدّدها لي رئيس الجمهورية، تتمثل في الانضمام إلى المنظمة العالمية للتجارة، وتظل الأولوية القصوى الانضمام إلى هذه المنظمة العالمية”، معربا عن إرادة الجزائر الصارمة في استكمال مسار المفاوضات. وفي الجانب المحلي، فإن التقسيم الإداري الجديد يوجد في قائمة أولويات عمل حكومة السيد سلال، وهو الإجراء الذي يرمي إلى محاربة البيروقراطية وتكريس مبدأ تقريب الإدارة من المواطن، وذلك من خلال ترقية عدة مناطق من الوطن إلى ولايات خاصة بالجنوب والهضاب العليا. واعتبر رئيس الجمهورية أن عامل المسافات “يفرض” التعجيل بتقريب الإدارة الإقليمية من المواطنين التابعين لدائرة تخصصها. وسيندرج هذا التقسيم الإداري ضمن البرنامج الخماسي (2015 - 2019) على أساس المشاورات الوطنية والمحلية، التي تمت مباشرتها منذ بضع سنوات بشكل فعلي في هذا المجال، بعد الانتخابات التشريعية لسنة 2012. وكان التقسيم الإداري أحد أهم النقاط المندرجة ضمن برنامج الرئيس الانتخابي؛ باعتباره “أكثر من ضرورة”؛ حيث إن “هناك عدة جهات من الوطن أصبح من اللازم الارتقاء بها إلى ولايات؛ بسبب عدة عوامل”. وتعهّد خلال ذات الحملة بترقية عدد من دوائر البلاد إلى مصاف ولايات، من بينها عين صالح بتمنراست، المنيعة التابعة لولاية غرداية، تقرت (ورقلة) والعلمة بولاية سطيف، إضافة إلى فرندة بولاية تيارت. ويبدو جليا من خلال بيان مجلس الوزراء ليوم الأربعاء، أن الصحافة والإعلام يحملان أولوية قصوى في برنامج الرئيس بوتفليقة، الذي دعا إلى التعجيل بتنصيب سلطتي ضبط السمعي البصري والصحافة المكتوبة، وحملت هذه الدعوة “الصفة الاستعجالية”. ويتضح من خلال هذا الإصرار في تنصيب هيئتين مهمتهما الأساسية هي تنظيم وضبط قطاع الإعلام في الجزائر، الانشغال الكبير للرئيس بتوفير أرضية صلبة، تسمح بممارسة حرية التعبير في إطار منظم ضمن ما تمليه أخلاقيات المهنة والضوابط المهنية والقانونية؛ تفاديا لأي انزلاقات أو فوضى في هذا المجال. وكان رئيس الجمهورية قد أكد في رسالة له عشية الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، أنه “في غضون هذا العام سيتواصل، وبشكل مكثف، المسار التشريعي والتنظيمي المتوخى منه استكمال المنظومة القانونية، التي تحكم النشاطات ذات الصلة بقطاع الاتصال، لاسيما منها تلك المتعلقة بتنظيم مهنة الصحافة والمهن المرتبطة بها، وبهيئات الضبط المؤهلة، وتلك المتعلقة بالإشهار وسبر الآراء”.