ماذا يحدث في ليبيا ومدينة بنغازي تحديدا؟ سؤال جوهري لم يجد له المتتبعون جوابا شافيا بعد أن اختلطت الأوضاع، وحتى المفاهيم في دولة مازالت سلطاتها تبحث عن مخرج آمن من أزمة ما انفكت تزداد تعفّنا. وأخلط الجنرال المتقاعد خليفة خفتر، الحسابات عندما قام بمبادرة عسكرية غير متوقعة بمهاجمته معقل المليشيات الإسلامية المتطرفة بمدينة بنغازي، وخاصة أنصار الشريعة بدعوى القضاء على الإرهابيين. والى حد الآن لم يفهم كثير من المتتبعين خلفية هذا التحرك، ومن أعطاه الإشارة الخضراء للقيام بعملية بمثل هذا الحجم وخاصة وأنها عملية أشبه بعملية نفذها جيش نظامي استعملت فيها المدفعية والطائرات. وما أثار الاستغراب أكثر موقف السلطات المركزية في طرابلس، الذي تذبذب بين التأييد مرة وبين التنديد مرة أخرى، وجعلها تفرض حظرا جويا على أجواء المدينة لمنع طائرات خفتر من التحليق وضرب أهداف أنصار الشريعة. وذهبت السلطات الانتقالية في طرابلس، إلى حد نعت ما قام به هذا الجنرال المخضرم البالغ من العمر 71 عاما بأنه محاولة انقلابية على الحكومة الشرعية، وهو ما سارع الجنرال اللغز إلى نفيه، وقال إن تدخله العسكري حظي بتأييد السلطات في العاصمة طرابلس. والمفارقة انه رغم التحذيرات التي وجهتها السلطات الليبية لخفتر، بوقف عمليته العسكرية إلا انه أصر أمس، على مواصلتها وقال إنه بصدد إعادة تنظيم وحداته لشن هجوم جديد على مواقع المليشيات الإسلامية المسلحة. والحقيقة التي يجب الإقرار بها فيما حدث بمدينة بنغازي مهد ثورة 17 فيفري سنة 2011، قبل أن تتحول الى بؤرة صراع خفي وعلني بين مختلف المليشيات، أن الجنرال خليفة خفتر، قام بالعملية التي كان يتعين على الجيش النظامي القيام بها للجم تنامي قوة هذه المليشيات التي تحولت الى قوة موازية وتريد فرض منطقها وتصوراتها للأشياء بفضل قوة ترسانة الأسلحة التي أصبحت تمتلكها من السوق المفتوحة لبيع وشراء وتهريب أسلحة الجيش النظامي الليبي بعد انهياره. فهل تصرف الجنرال الليبي السابق، بمفرده أم انه وجد الدعم السياسي للقيام بمثل هذه العملية التي أعطت الاعتقاد بسبب ضراوة المعارك التي شهدتها، أن ليبيا دخلت فعلا في متاهة حرب أهلية جديدة وهي لم تخرج بعد من تبعات ثورة 17 فيفري، التي أفرزت واقعا سياسيا وامنيا جديدا استحال على السلطات الانتقالية احتواءه. والمؤكد أن سقوط 79 قتيلا وعشرات المصابين والدمار الكبير الذي خلفته المواجهات لن يمر هكذا على اعتبار أن المليشيات الإسلامية المتطرفة لا تريد الاستسلام، وهي التي صمدت منذ الإطاحة بالنظام السابق أمام كل المحاولات لتجريدها من أسلحتها. وأكدت مرارا أن الفرصة لن تتكرر لتمرير منطلقاتها الفكرية والإيديولوجية وتجسيدها في منظومة الحكم التي ستحكم ليبيا ما بعد القذافي. فهي تريد أن تستعيد المبادرة العسكرية، في وقت أكد فيه قائد الجيش الوطني الليبي، المعلن في سياق أحداث اليومين الأخيرين أنه سيواصل عملياته العسكرية الى غاية تحقيق أهدافه، وهي تحرير عاصمة شرق ليبيا من قبضة الإسلاميين المتطرفين.