فرض الجيش الليبي أمس، حظرا جويا على مدينة بنغازي والمناطق المحيطة بها إلى اجل غير مسمى ضمن مسعى لاحتواء موجة العنف التي تتخبط فيها عاصمة شرق ليبيا. وخلفت المواجهات العنيفة التي اندلعت أول أمس، بين قوة مسلحة يقودها الجنرال المتقاعد خليفة خفتر، ومسلحين من مليشيات إسلامية استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة الثقيلة بما فيها الطيران الحربي سقوط ما لا يقل عن 37 قتيلا و139 جريحا. وهو ما جعل الجيش الليبي يتوعد في بيان أصدره أمس، بضرب أي طائرة عسكرية تحلق في أجواء بنغازي في تهديد يجهل إن كانت القوات النظامية قادرة على تنفيذه وهي التي تفتقد للمعدات والأسلحة اللازمة. واضطر الجيش الليبي إلى التعامل بمنطق التهديد بعد أن أكد خفتر، الذي يقود قوة مسلحة تضم ضباطا وعسكريين منشقين أنه سيواصل عمليته العسكرية إلى غاية تطهير ثاني اكبر المدن الليبية ممن وصفهم ب "الإرهابيين". ورغم عودة هدوء حذر إلى مدينة بنغازي بعد يوم دام وعنيف، إلا أن مؤشرات تجدد المواجهات تبقى قائمة خاصة وان العقيد محمد حجازي، المتحدث باسم قوة خفتر دعا سكان أحياء قوراشة بغرب المدينة وسيدي فرج إلى الجنوب إلى تركها من دون أن يحدد إن كان سيتم إطلاق عملية عسكرية أخرى. ويعد هذان الحيان من أهم معاقل المليشيات المسلحة خاصة تلك المحسوبة على الإسلاميين المتطرفين ومنها "أنصار الشريعة" التي صنفتها واشنطن في خانة المنظمات الإرهابية. وكانت مصادر محلية في بنغازي التي تعد معقل لعدة مليشيات إسلامية مسلحة أرجعت سبب عودة الهدوء إلى إطلاق مساعي وساطة من اجل وقف المواجهات، ودفعت بخفتر الذي يقدم نفسه على انه قائد "الجيش الوطني" إلى سحب قواته مساء الجمعة. ولم تقدم هذه المصادر أية معلومات إضافية حول هذه المساعي التي يبدو أنها انتهت بالفشل بدليل تأكيدات خفتر أمس، على مواصلة عمليته العسكرية. وتضاربت المعلومات حول حقيقة ما يجري في بنغازي من مواجهات، فبينما أعلن خفتر انه يقوم بعملية لتطهير المدينة من الإرهابيين بدعم من الجيش النظامي، وخاصة الطيران الحربي الذي قصف معاقل هاته المليشيات، سارعت الحكومة الليبية إلى إدانة هذه العملية العسكرية وأعلنت عن غلق مطار بنغازي في وجه الملاحة الجوية. كما نفى الجيش النظامي مشاركته في هذه العملية، وقال أن الطيران الحربي الذي قصف مواقع المليشيات موال للجنرال المتقاعد خفتر. وهو ما فتح باب التأويلات أمام احتمالات أن تكون السلطات الليبية في مواجهة انقلاب عسكري، وان هدف خفتر هو الاستحواذ على السلطة. وبغض النظر عن الهدف من وراء هذه العملية العسكرية وحتى وان كان الجيش الليبي النظامي قد شارك فيها أم لا، فالمؤكد أن الوضع في ليبيا بلغ انفلاتا أمنيا لم يعد يحتمل. ويربط عدة محللين سبب هذا الانزلاق الأمني الخطير إلى فشل الطبقة السياسية المنقسمة على نفسها حتى في التوافق حول انتخاب رئيس وزراء واحد، إلى درجة أن الحكومة الليبية أصبحت برأسين بعدما بقي عبد الله الثني، يواصل مهامه في تصريف شؤون الحكومة المؤقتة في نفس الوقت الذي أعلن فيه احمد معيتيق، انه الوزير الأول المؤقت الشرعي في البلاد.