بدأت ملامح الصراع في ليبيا تتضح بالتدريج أسبوعا بعد العملية العسكرية التي قادها الجنرال السابق خليفة خفتر، على معاقل مليشيات إسلامية متطرفة بمدينة بنغازي مهد ثورة 17 فيفري، التي أطاحت بنظام العقيد معمر القذافي. وكلما زادت درجة الاحتقان في المشهدين السياسي والعسكري اتضحت معالم الصراع في ليبيا، بين قوى علمانية وأخرى إسلامية وسط تجاذبات حادة بلغت درجة المواجهة المفتوحة، وما أحداث بنغازي نهاية الأسبوع الماضي، سوى بداية لمعركة لا يريد أي من الطرفين خسارتها. وشكل بقاء البرلمان الحالي وحله سببا جوهريا في هذا الصراع بعد أن أصر الإسلاميون على بقائه رغم انتهاء عهدته شهر فيفري الماضي، ومساعي الجنرال خفتر والقوى السياسية الليبرالية المؤيدة له لحله، والدعوة الى انتخابات عامة خلال ثلاثة اشهر. وهو ما تجلى أمس، عندما رفض أعضاء البرلمان الذي يسيطر عليه الإسلاميون من جبهة العدالة والبناء المنتسبون الى تيار الإخوان المسلمين، وكتلة الوفاء الإسلامية المتشددة، وكذا ما يعرف بخلية العمليات الثورية في ليبيا التي عبّرت جميعها عن معارضتها لما قام به الجنرال خفتر ووصفته بمثابة انقلاب على الشرعية. وعقد نواب البرلمان الذي يعد أعلى هيئة سياسية في ليبيا، مساء أمس، اجتماعا طارئا لبحث الموقف والذي يكون قد عرف نقاشا حادا بين المؤيدين لفكرة الحل، وأولئك الذين يريدون تمديد عهدته الى نهاية العام وفق ما تم الاتفاق عليه شهر فيفري الماضي. وفهم نوري أبو سهمين، رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، أن الهجوم الذي استهدف مقر البرلمان أول أمس، كان رسالة قوية من الرافضين لبقائه في وقت أخلط فيه الجنرال خليفة خفتر، المعادلة العسكرية في بنغازي عندما شن هجوما عنيفا على مقاتلي تنظيم أنصار الشريعة المتطرفة بمبرر القضاء على الإرهاب. وهي القناعة التي أيده فيها قائد القوات الخاصة الليبية بمدينة بنغازي، العقيد ونيس بوخمادة، ووحدة من قوات النخبة في الجيش النظامي الليبي وضباط القاعدة الجوية بمدينة طبرق في شرق البلاد، وأيضا من قبيلة البراعصة المنتشرة هي الأخرى في مدن شرق ليبيا، والذين أكدوا جميعا أنهم انضموا الى قواته لدحر الإسلاميين وطردهم من المدينة. وقد استشعر تنظيم أنصار الشريعة الخطر الذي أصبح يشكله توحد كل هذه القوى على وجوده، وخاصة وان عقيد القوات الخاصة الليبية، وصف ما يجري في بنغازي ب«معركة الكرامة” ضد الإرهابيين في إشارة الى عناصر هذا التنظيم الذي أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة العالمي، وصنفته الولاياتالمتحدة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية بداعي تورطه في اغتيال السفير كريس ستيفنس شهر سبتمبر 2012. وأكد التنظيم في بيان شديد اللهجة أمس، أن المواجهة أصبحت وشيكة وانه سيرد بقوة ضد قوات الجنرال خفتر، للدفاع عن مدينتنا وأرضنا. وهو تصريح تصعيدي يؤشر على قبضة عسكرية في بنغازي مرشحة لان تمتد الى العاصمة طرابلس وكل مناطق البلاد الأخرى، في مواجهة قد تدخل ليبيا في حرب أهلية وهو الاحتمال الذي فرض نفسه، وجعل السلطات الايطالية تدعو الى تدخل جديد للمجموعة الدولية من اجل منع وقوعه.