نعيش اليوم ذكرى غالية على قلوب الجزائريين وعشاق الحرية والتحرر في بقاع العالم، فقد توج الاستقلال مسيرة كفاح استمرت قرنا وثلث القرن واجه فيها الجزائريون أعتى قوة استعمارية في وقتها وحاربوها بالنفس والنفيس وفي كثير من الأحيان عزلا من أي سلاح أو بوسائل تقليدية، مسلحين بإرادة الحياة الكريمة التي كانت سلاحا معنويا أقوى من العتاد العسكري للحلف الأطلسي الذي يقف وراء جحافل الجيوش الفرنسية. وإذا كانت إرادة الحياة قد انتصرت على آلة الموت وصدت زبانيتها وهم يجرون أذيال الخيبة فالأحرى بنا اليوم أن نكون في مستوى تضحيات أبنائنا وأجدادنا وإخواننا لنستكمل مشروع التحدي في جميع المجالات خاصة ما تعلق منها بالغذاء والعلم والتكنولوجيا، والقضاء على كل عوامل التبعية التي أصبحت اليوم أبشع استعمار غير مباشر للغير الذي لا يتوانى في استغلال هذا الوضع لمحاولة التدخل في شؤون الدول التي لا تزال تعاني من هذه التبعية أو من بعض مظاهرها. وتزداد درجة هذه التدخلات حدة بالنسبة للمستعمرات القديمة التي أخرج منها الاستعمار من الباب فحاول العودة من النافذة متذرعا بالمساعدات، وحقوق الانسان والديمقراطية وما إليها من الشعارات الفضفاضة التي تلعب فيها بعض المنظمات غير الحكومية دور حصان طروادة. وكما احبط اسلافنا مخططات الاستعمار الاستيطاني يجب أن نعمل على احتواء المخططات التي تعمل على ابقائنا تابعين في كل القضايا التي حقق فيها غيرنا تقدما هائلا، وتحويلنا إلى مجرد سوق استهلاكية لمنتوج الغرب المادي الثقافي والتكنولوجي. وإذا كان هناك من لوم فلا يقع إلا علينا نحن أجيال اليوم لأننا لم نعرف كيف نعطي للتحرر أبعاده الكاملة وقد مهد لنا الشهداء ومن لم يلحقوا بهم بعد من المجاهدين القاعدة التي تتيح لنا تحقيق هذه الأهداف ألا وهي الاستقلال وذكراه التي مازالت تحيا فينا وتسري فينا مجرى الدم في العروق.