تمر اليوم 55 سنة على انطلاق الشرارة الأولى لثورة الفاتح نوفمبر، التي وضعت حدا لاستعمار فرنسي همجي أراد أن يطمس هوية الشعب الجزائري بقوة الحديد والنار ولكنه في الواقع جعل منها نموذجا تحتذي به الشعوب المضطهدة من اجل استعادة حريتها واستقلالها. وقد وجدت حركات التحرر بمختلف مناطق العالم في الدولة الجزائرية الفتية بعد استقلالها، سندا كبيرا لها على المستويين السياسي والعسكري، قدم لها الدعم الكافي لتحقيق استقلال شعوبها بقناعة مساندة الشعوب المستعمرة على استعادة حريتها.. وبعد مرور ما يقارب نصف قرن على استعادة حريتها، مازالت الجزائر متمسكة بهذه المبادئ التي تضمنها بيان ثورة نوفمبر والتي بنيت على أساسها الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وفي مقدمتها دعم حركات التحرر عبر العالم ومساندة الشعوب المستعمرة في نيل استقلالها. والحقيقة أن الجزائر المستقلة التي ضحت بمليون ونصف مليون شهيد، ما كان لها وليس بمقدورها أن تتخلى عن تلك المبادئ الإنسانية التي اعتمدتها لتحقيق استقلالها، وهو ما كرس لديها قناعة أنها حين تساند قضية تحرر فهي تساندها لاقتناعها بشرعيتها وعدالتها وليس لفائدة مادية خفية قد تجنيها منها، وهو ما جعلها لا تتغيب في يوم من الأيام عن المواعيد المهمة في مختلف المحافل الدولية وخاصة في الأممالمتحدة، وبالأخص المتعلقة منها بالدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة في تقرير المصير والحرية، ولم يكن غريبا أن يكون لها شرف الأخذ بيد حوالي 16 دولة إفريقية إلى الاستقلال في خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي... فمن القضية الفلسطينية مرورا بكل حركات التحرر سواء في القارة الإفريقية أو أمريكا اللاتينية، وصولا إلى ملف النزاع الصحراوي، لم تتأخر الجزائر عن تقديم الدعم المادي والمعنوي لكل هذه القضايا وفقا لمبادئ الشرعية الدولية المقرة بأحقية الشعوب المستعمرة في نيل استقلالها. وتبقى القضية الفلسطينية من خلال العبارة التي اشتهر بها الرئيس الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ورددها من بعده الساسة الجزائريون، تشهد على هذه القناعة والمساعي التي تبذلها الجزائر في تسوية هذه القضية ومساعدة الشعوب المستعمرة لنيل حقوقها المشروعة في الحرية والاستقلال. وكان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، يفتخر دائما أنه لولا رئاسة الجزائر للجمعية العامة آنذاك، ما كان ليدخل ويخاطب العالم من أعلى منبر في الأممالمتحدة، وكان يقول أنه حين أراد إعلان الدولة الفلسطينية اتصل بدول عربية "كبيرة" وطلب منها أن تحتضن حدث الإعلان عن الدولة الفلسطينية، فرفضت خوفا من معاقبة أمريكا وإسرائيل لها، وحين اتصل بالجزائر فتحت له الأبواب والأحضان، وقالت له "تعالى وأعلنها هنا على بركة الله". وما كان للجزائر أن تتأخر أو أن تتخلى عن هذا الموقف المبدئي عندما برزت قضية الصحراء الغربية واحتلالها من طرف المغرب وموريتانيا مباشرة بعد انسحاب الاحتلال الإسباني سنة 1975، وفق المعاهدة الثلاثية التي رهنت حق شعب في الاستقلال والحرية أمام أعين العالم وصمت الأممالمتحدة أمام قضية تصفية استعمار مفروضة... قناعة مترسخة أكد عليها ممثل الجزائر في الهيئة الأممية آنذاك خلال جلسة تصويت ساخنة غداة التصويت على القرار 2229 الصادر يوم 20 ديسمبر 1966 الخاص بالصحراء الغربية، وقال "إن الجزائر المتضامنة مع أي كفاح يقود شعبا ما إلى الحرية، ستبتهج لحصول شعب الصحراء الغربية على استقلاله. في الصحراء الغربية يعيش سكان تربطنا معهم علاقات دم وحضارة وجوار". وتأكد كل العالم حينها أن بلدا خرج من ثورة تحريرية مضفرة ضد أعتى قوة استعمارية، ما كان ليغير موقفه لحسابات سياسية، لتتحول الجزائر منذ السنوات الأولى إلى قبلة لمختلف قيادات حركات التحرر التي أصبح يحلو لها تسميتها ب "مكة الأحرار"، نظير التسهيلات التي كانت تلقاها في كل مرة تتقدم فيها بطلبات لنصرة قضاياها. وبالرجوع إلى بعض الحقائق التاريخية، نجد أن علاقة الجزائر بقضية تقرير المصير وتصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، تعود إلى منتصف الستينيات تقريبا، وهو تاريخ لم تكن جبهة البوليزاريو قد رأت فيه النور بعد ولم تكن الجمهورية الصحراوية قد أصبحت دولة إلا بعد عدة سنوات. إن الدعم الذي تقدمه الجزائر للشعب الصحراوي، هو دعم شرعت الأممالمتحدة في تقديمه لكل الحالات المشابهة لحالة الشعب الصحراوي في العالم، وقدمته لفلسطين وجنوب إفريقيا وناميبيا والكثير من حركات التحرر الأخرى في القارة السمراء وأمريكا اللاتينية وحتى في آسيا.