دعا رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس المنتخبين المحليين إلى التحلي بروح المبادرة وعدم انتظار الأوامر الآتية من الإدارة المركزية لتنفيذها، كما انتقد الطريقة التي عولج بها ملف الاستثمار في الجزائر وتعهد بمراجعة "الوثيقة" الخاصة بذلك. وقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطاب ألقاه أمام رؤساء البلديات ال1541 ورؤساء الدوائر وولاة الجمهورية ال48 في لقاء هو الأول من نوعه انعقد بالقاعة البيضاوية بمركب محمد بوضياف بالعاصمة أن العلاقة بين الناخب والمنتخب "كالعروة الوثقى" ودعا المنتخبين المحليين إلى العمل على الحفاظ عليها من خلال الاستماع إلى انشغالات المواطنين والعمل على حل مشاكلهم. وبالنسبة للرئيس بوتفليقة فإن النواة الأولى للدولة تكمن في البلدية، وأشار إلى أنه لا يعقل أن يكون هناك ميل لدى المواطن لحل مشاكله المحلية على مستوى رئاسة الجمهورية أو الحكومة بدل التوجه إلى الإدارة المحلية ذات الاختصاص وأوضح أنه إذا تقوت الدولة على مستوى البلدية يشتد عودها على مستوى الحكومة والرئاسة، أما إذا "أصبحت العلاقة بين الناخب والمنتخب هشة فإن كل أركان الدولة ستكون في خطر" . ودعا القاضي الأول في البلاد خلال اللقاء غير المسبوق مع رؤساء المجالس الشعبية البلدية الى التحلي بروح المبادرة وعدم انتظار التعليمات الفوقية الآتية من الإدارة المركزية، وأبدى في هذا السياق استغرابه من كون اغلب المنتخبين يعملون بهذا السلوك وقال موجها كلامه إلى رؤساء البلديات" أصبحنا في حالة جمود ننتظر التعليمات الفوقية"، مبرزا حاجة السلطات العليا في البلاد ومنها الرئاسة والحكومة الى "أفكار تأتي من القاعدة الى القمة" وأضاف" ننتظر منكم أفكارا ومبادرات وننتظر التشجيع" . وأكد الرئيس بوتفليقة أنه على المنتخبين المحليين التفكير بايجابية في تنفيذ المشاريع من خلال التفكير بالأهم الى المهم، واستغلال الوضع المالي المريح للبلاد من أجل تحقيق التنمية المنتظرة التي تساهم في رفع القدرة المعيشية للمواطن ووضع الجزائر على سكة النهوض باقتصادها. وأكد بأن التنمية المحلية كانت دوما "حجر الزاوية" في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، ومن هذا المنطلق كان لزاما يقول رئيس الجمهورية على رؤساء المجالس الشعبية البلدية أن يتحلوا ب "حسن التعاطي مع الواقع والعزم وروح المبادرة والشفافية في تسيير البلديات من أجل إيجاد نشاطات تدر موارد جديدة" للبلديات تجسد بالفعل لامركزية التسيير. وأكد الرئيس بوتفليقة في هذا الصدد أن التنمية المحلية التي كان ينظر اليها دوما على أنها من "مسؤوليات الدولة المركزية وحدها هي اليوم محل مراجعة لكي تندرج ضمن مسؤوليات البلديات" . وأوضح أن الأولوية الممنوحة للتنمية المحلية قد تأكدت من خلال مختلف البرامج ومنها برنامج الإنعاش الاقتصادي وبرنامج دعم النمو الاقتصادي والبرامج التنموية القطاعية والبرامج التنموية البلدية والبرامج الخاصة كبرنامجي الجنوب والهضاب العليا. وتحدث عن واقع آخر يخص انجاز المشاريع وأعاب على المسؤولين المحليين "إهمالهم" للجانب المتعلق بالصيانة، اذ يعتبرون تشييد وانجاز المشاريع ومختلف الهياكل "غاية في حد ذاتها"، متناسين الجانب المتعلق بالحفاظ على المنشآت والمرافق العمومية، واستغرب وضع بعض الجامعات التي "تقترب حالتها من الآثار الرومانية التي تحتفظ بها الجزائر بمجرد مرور سنوات عن انجازها" واعتبر الرئيس بوتفليقة هذا الموضوع مسألة وطنية يجب أن تحظى بالاهتمام الكبير من طرف جميع الفاعلين. ومن جهة أخرى، جدد الرئيس بوتفليقة تمسكه بمشروع التقسيم الإداري الذي أعلن عنه في خطابه بوزارة الدفاع الوطني بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال والشباب وقال "ستتجسد قريبا جهود إعادة التنظيم الإقليمي في تعيين ولاة منتدبين على رأس مقاطعات اعتبرت هامة من حيث عدد ساكنتها وعدد بلدياتها ومن حيث طابعها وصعوبة تسييرها" . والهدف من هذا التقسيم يوضح الرئيس هو "التحكم الأفضل في الواقع الميداني وتقريب المسافات بين مراكز القرار والفضاء الإقليمي المعني من اجل تحقيق تسيير جواري أفضل. وفي سياق حديثه عن التقسيم، أوضح الرئيس أن نظرة السلطات له لا تحمل "أي تهميش لأية جهة على حساب أخرى بل أن الغاية منه هي تقريب الإدارة من المواطن، ولاحظ وجود نقص كبير في الكفاءات قصد تجسيد هذا المشروع وطالب المواطنين بمساعدة ومرافقة الدولة في تجسيد هذا التقسيم الإداري الجديد والابتعاد عن التسرع. وأوضح أن العملية معقدة جدا كون الدولة غير قادرة على توفير العديد من المرافق في الوقت الراهن وقال"أن الولاية تعني انجاز مطار وجامعات ومستشفيات"، وأضاف أن بعض البلديات قد تتحول إلى ولايات منتدبة لوقوعها في أقصى المناطق الحدودية وأعطى مثالا بدائرة عين صالح التي سيتم الارتقاء بها إلى مصف ولاية منتدبة رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 25 ألف نسمة. ووجه نداء إلى المنتخبين المحليين لمساعدة الدولة والسلطات العليا في إنجاح مشروع التقسيم الإداري بالنظر الى تعقيداته. واعتبر رئيس الجمهورية الانتخابات المحلية التي جرت في 29 نوفمبر الماضي بأنها نزيهة وشفافة زادت من "شرعية" المنتخبين المحليين ومن مصداقية النظام الانتخابي في الجزائر. وبالموازاة مع ذلك اغتنم الرئيس بوتفليقة الفرصة للحديث عن واقع الاستثمار في الجزائر، حيث قدم "نقدا ذاتيا" للسياسة المنتهجة منذ سنوات في هذا المجال وتحدث بصريح العبارة عن بروز مؤسسات "طفيلية" باسم تحرير الاستثمار، وابدى معارضته لاستمرار الوضع القائم وقال "اذا كان استثمار القطاع الخاص ينحصر فقط في مصانع المشروبات الغازية والدقيق، فإننا مللنا من ذلك"، ورافع من أجل فتح سوق الاستثمارات لمتعاملين خواص وطنيين وأجانب قادرين على خلق مؤسسات في مستوى ما تطمح اليه الجزائر، وأضاف بعبارات حملت صيغة التعجب" أن الذي يستثمر في الماء والمشروبات لا يسمى مستثمرا" . وأبرز في هذا السياق ضرورة اعادة النظر في التحفيزات الموجهة للمستثمرين حيث يتم تحديدها من خلال الحجم المالي الذي يتم استثماره وتساءل كيف تتم المساواة في التخفيف من الأعباء بين متعامل يستثمر مليون دولار وآخر يستثمر 5 ملايير دولار. وأضاف أن الأخطاء المرتكبة في السابق لن تتكرر وقال "لقد انتهجنا سياسة وكنا مخطئين في ذلك، وقد حان الوقت الآن للتفكير من جديد في آليات أخرى أكثر نجاعة" . وأكد أنه لن يتم مستقبلا التنازل عن شركات عمومية في إطار الخوصصة بأقل الأثمان ويقوم صاحبها بعد خمس سنوات من امتلاكها ببيع قطعة الأرض التي شيد فيها المصنع بالمتر المربع، وأشار إلى ضرورة التفريق بين الخوصصة والشراكة في تطبيق السياسة الوطنية في هذا الشأن. وأوضح الرئيس أن كلامه حول ملف الاستثمار يعد نقدا ذاتيا وليس طعنا في أي أحد كان، واعتبر انه لا يمكن لمتعامل أجنبي أن يستثمر 700 مليون دولار ثم يتحصل على ربح يتجاوز ملياري دولار، ليواصل قائلا"أن هذا لا يسمى استثمارا "بل عثرة بالنسبة للجزائر" وكانت نتائجها وخيمة على الاقتصاد الوطني. وحول ملف التشغيل انتقد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة رفض بعض الشباب للعمل في ورشات البناء وفي القطاع الفلاحي، وتفضيله للعمل في الإدارة بصفته حارسا وفي الليل فقط، واوضح أن الرافض للعمل لا يعد بطالا بل "افة على المجتمع" . وشكك السيد بوتفليقة في صحة الأرقام المقدمة حول البطالة بالنظر الى تنامي الظاهرة التي أشار إليها وقال أن نسبة البطالة قد تكون اقل من 11 بالمئة التي اعلن عنها الديوان الوطني للإحصاء. ويذكر أن اللقاء الذي عقده الرئيس بوتفليقة مع المنتخبين يعد الأول من نوعه وجاء تتويجا لبرنامج التكوين الذي تابعه رؤساء المجالس الشعبية البلدية. وعلى هامش اللقاء سلم الرئيس بوتفليقة شهادات نهاية التكوين لعدد رمزي من رؤساء البلديات.