قبل نحو أسبوع، مرت الذكرى العشرون لاختراع الشبكة العالمية للانترنيت التي انطلقت في مرصد للفيزياء النووية تابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية بجنيف، بتاريخ 13 مارس 1989 . وتشير الأبحاث المتعلقة بهذه الشبكة التي غيرت وجه العالم، وجعلت منه بحق قرية صغيرة، إلى أن صاحب الفضل في هذا الاختراع الكبير، وهو المهندس البريطاني المختص في البرمجيات تيم برناردز لي، لم يكن يومها يفكر في اختراع كبير، من شأنه أن يحدث ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، إنما أراد أن يصل في أبحاثه إلى طريقة تسهل عملية الاتصال بين العلماء والباحثين، ليتواصلوا بينهم بشكل يفوق التواصل الهاتفي التقليدي، وكانت النتيجة أكبر مما خطط له وأراده.. وبعد مرور عشرين سنة على هذا الابتكار التكنولوجي، وجه تيم برناردز لي الذي يشغل حاليا منصب أستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة، تحذيرا للعالم من مخاطر مراقبة الحكومات والشركات للمواقع التي يلجها مستخدمو الشبكة بهدف تكوين صورة عن أنشطتهم، كما لو أنه يريد بذلك أن يقول للعالم ولأصحاب القرار في تسيير هذا العالم، إن العلم يجب أن يظل خارج حدود المراقبة.. ومنذ تاريخ 13 مارس الفارط، ذكرى مرور عشرين سنة على هذا الاختراع إلى لحظة تدوين هذا المنبر، لا أذكر كم مرة تصفحت بريدي الإلكتروني، ولكن أذكر جيدا أنني خلال هذه الفترة تلقيت أكثر من عشرين رسالة مستنسخة عن بعضها، ولا أدري كيف وصلت إلى عنواني الشخصي. تقول صاحبة الرسالة القادمة من بلد إفريقي إنها أرملة وأم ليتامى، زوجها العسكري توفي في المنفى بعد أن اختار المعارضة لنظام الحكم، وقد ترك أموالا كبيرة ''بالدولار الامريكي'' في بنك أفريقي، والمطلوب حسب صاحبة الرسالة واسمها فاطمة أن تجد شخصا يمنحها رقم حسابه البنكي كي تحول إليه هذه الاموال لتصرفها على اليتامى، وله في ذلك نصيب...أو باختصار ضمني، أن تجد أبلها يجعل من حسابه الخاص محطة لتبييض الاموال.. اليوم وأنا أقرأ رسالة أخرى شبيهة برسالة فاطمة الإفريقية، بعث بها شخص آخر يدعي أن اسمه الحاج ابراهيم من القارة الآسيوية، تمنيت لو أن نسخا من رسائل الاحتيال هذه تصل إلى البريد الشخصي للمهندس البريطاني تيم برناردز لي، لعله يصدر بيانا عالميا يشجب من خلاله سلوكات هؤلاء المحتالين، ويقول لهم إن سنوات العمر الضائعة في بحثه العلمي الذي قاده إلى هذه الثورة التكنولوجية لا ينبغي أن تجعل من هذا الاختراع وسيلة للاحتيال والنهب، بل وقد يتنكر لهذا الاختراع الذي مرت ذكراه العشرون في صمت، بل ولا أذكر أنني قرأت مقالة في الذكرى التي تستحق بجدارة أن تكون عيدا عالميا على غرار عيد 41 فيفري، أو ''سان فالنتان'' مع الفارق الكبير الموجود بين عيد 41 فيفري وعيد 31 مارس الذي يحق للعالم أن يشرعه... سعيد مقدم