للمرة الثانية على التوالي، وربما لن تكون الأخيرة، يقودنا الحديث، بل ويفرض نفسه في هذا المنبر عن الشبكة العنكبوتية، أو ما يعرف اختصارا بالانترنيت، لكن ليس من باب استغلاله للاحتيال كما ورد ذكره في حديث سابق، بل نتناوله من وجهه الحقيقي. جاء في خبر مقتضب، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يعرف الجميع أنه "وظف الانترنيت أبشع توظيف"، كما يقال بلغة الشارع، في حملته الانتخابية التي قادته إلى البيت الأبيض، عقد نهاية الأسبوع المنصرم مؤتمرا صحفيا عبر هذه الشبكة، أجاب خلاله وعلى المباشر عن أسئلة 32 ألف أمريكي حول الأزمة الاقتصادية. وبحسب الوكالات التي أوردت الخبر، فإن الرئيس أوباما المعروف عنه ولعه بالتكنولوجيا، هو أول رئيس أمريكي يستعمل هذه التقنية للتواصل مع الشعب الأمريكي بالصورة والكلمة، ليتشعب الحديث إلى مواضيع أخرى، طالت السكن، الوظائف، التعليم، الصناعة وغيرها. وللرئيس أوباما فلسفة خاصة في اختيار طريقة التواصل هذه التي يمكن لأي مواطن في العالم الثالث، مازال يتعامل مع إدارته في أدنى مستوياتها عن طريق المراسلة الكلاسيكية، أن يقرأ هذه "الخرجة" على أكثر من وجه، ذلك أن "إبن الحسين" كما يحلو للأفارقة والعرب تسميته، كان وعد خلال حملته الانتخابية أن يظهر أمام شعبه وأمام العالم بصورة معاكسة تماما لصور الرؤساء الذين سبقوه للبيت الأبيض، ووعد أيضا بتغير وجه أمريكا، ولعل الجميع يتفق هنا، أن فن الاتصال هو وسيلة من وسائل التغيير. أكثر من ذلك، أن الرئيس أوباما وهو يعقد مؤتمرا صحفيا عن طريق الأنترنيت، لابد أنه فكر مليا، ثم قرر أن يتوجه بخرجته الإعلامية إلى عموم الشعب الأمريكي، وليس إلى موظفي البيت الأبيض، وهو استنتاج تعكسه مقولته السابقة عندما قال "أنا رئيس الولاياتالمتحدة وليس واشنطن فقط"، ومثلما ساعد الانترنيت أوباما في تعميم رسالته الانتخابية التي أوصلته إلى منصبه ضمن "سباق محموم"، ها هو يؤكد وفاءه للانترنيت ويتمسك به في مسعى خلق أسلوب شفاف ينتهي به إلى كسب الرأي العام الأمريكي، وربما العالمي، في وقت صارت منظومة الانترنيت جزءا من حياتنا اليومية لا يمكن الاستغناء عنها، فهي "مثلما تساعد الرؤساء على الترشح، بإمكانها أن تغير طرق إدارتهم للحكم" كما يقول الكاتب الأمريكي دون تابسكوت، الذي يذكر أن الرئيس أوباما سبق له أن استخدم مواقع إلكترونية مثل " تويتر" و "فيسبوك" لخدمات اجتماعية على شبكة الانترنيت، ومن ذلك الإعلان عن نشاطات معينة، أو حتى الإعلان عن حملات تطوعية لجمع المال بخصوص قضايا تخدم الشعب الأمريكي. مثل هذه المعطيات التي نقرؤها في صفحة أوباما، للأسف لا نجدها في مواقع أخرى تتحدث عن العالم الثالث، وعلى وجه الخصوص العالم العربي الذي ما يزال يتعامل مع هذه التقنية من باب أنها "تكنولوجيا دخيلة"، يجب الحرص منها، لأنها "صدرت عن عدو، فهي لا يمكن إلا أن تكون عدوا" . قبل ثلاثة أيام فقط، وبالضبط يوم الخميس الفارط، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي تقريرا من جنيف، جاء فيه ترتيب الدول الأكثر اعتمادا على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في اقتصادها، وللأسف فإن الدول العربية جاءت كالعادة في ذيل الترتيب، حيث احتلت الدانمارك رأس القائمة متبوعة بالسويد والولاياتالمتحدة، مرورا بسنغافورة وسويسرا.. ثم لا داعي لذكر البقية في قائمة الترتيب، لأننا لا نعثر فيها على دولة عربية من مجموع 134 دولة شملها التقرير إلا إذا عكسنا القائمة وقرأناها من الجهة الأخرى، وللأمانة فقط، فقد ورد اسم الجزائر في المركز 109. سعيد مقدم