يوم واحد مضى على إعلان فوز المترشح الحر عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية لعهدة ثالثة، ورغم ما قيل حول النسب (٪) سواء أصحاب ''التضخيم''أو ''التحجيم''، فإن أمام الرئيس القادم ملفات ثقيلة تنتظره منها ما بدأ في تجسيده خلال العهدتين السابقتين وأخرى تترقب الإعلان الرسمي لنتائج الرئاسيات من قبل المجلس الدستوري...ليبقى المواطن ينتظر تجسيد الوعود. بعد الفوز الساحق الذي حققه في الرئاسيات بوتفليقة أمام تحدي تجسيد التزاماته ''الاجتماعية'' بعد الفوز الساحق الذي حققه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وظفره بعهدة ثالثة على رأس قصر المرادية، يتطلع اليوم الشعب الجزائري إلى ضرورة تجسيد الالتزامات التي وعد بها قبل وخلال الحملة الانتخابية، أهمها رفع الحد الأدنى للأجر المضمون، انجاز مليون وحدة سكنية جديدة، توفير ثلاثة ملايين منصب شغل عبر استثمار 150 مليار دولار، إضافة إلى رفع منحة الطلبة الجامعيين وطلبة التكوين المهني والإفراج عن ملف النظام التعويضي لقطاع الوظيف العمومي، ويرتقب أن يشهد الدخول الاجتماعي المقبل تجسيد أولى هذه الوعود. قبل الخوض في تفاصيل هذه الالتزامات يجب التأكيد بأن إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة يمنح ضمانا كبيرا لاستكمال المشاريع الاقتصادية والاجتماعية القاعدية الكبرى التي توجد حاليا في مجال الانجاز، على رأس ذلك الطريق السيار شرق -غرب، المترو، الترامواي، محطات تحلية المياه وكذا المشاريع الفلاحية والطاقوية والتعليمية، ما يجعل المرحلة المقبلة حساسة جدا تستدعي تحديات كبيرة، باعتبار أن نجاحها سيؤسس لمرحلة أكثر إيجابية ينتقل خلالها الجزائريون إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي العادي. ومن بين أهم الوعود التي قدمها المترشح بوتفليقة التزامه بتوفير 3 ملايين منصب شغل خلال الخمس سنوات المقبلة عبر استثمار 150 مليار دولار، وهو ما تعهد به خلال حفل إعلانه الترشح لعهدة رئاسية جديدة بالقاعة البيضاوية بالعاصمة يوم 21 فيفري، وهو التزام يأتي استكمالا لما تم انجازه خلال العشرية الماضية عبر ضخ أكثر من 250 مليار دولار كاستثمارات عمومية وغير عمومية، منها 160 مليار دولار استثمارات عمومية استفادت منها مختلف القطاعات، وقد تجلى ذلك في توفير أكثر من 5.6 مليون منصب شغل بمختلف الصيغ من مستخدمين في الإدارات العمومية ومختلف القطاعات الاقتصادية بما فيها القطاع الفلاحي، الأشغال العمومية وكذا الورشات العديدة التي تم فتحها عبر مختلف مناطق الوطن، وقد تُرجم ذلك في تقليص نسبة البطالة إلى حدود 3.11 بالمئة مع بداية 2009 ، حسب الإحصائيات التي قدمها الديوان الوطني للإحصاء. ويخُص الالتزام الثاني ملف الأجور الذي أعلن عنه بمناسبة الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين وكرره خلال الحملة الانتخابية، وينقسم إلى شقين، الأول يتعلق بالأجر الأدنى المضمون الذي وعد برفعه خلال لقاء الثلاثية الذي يرتقب أن يُعقد موازاة مع الدخول الاجتماعي المقبل، أما الشق الثاني فيتمثل في استكمال نظام المنح والعلاوات بالنسبة لقطاع الوظيف العمومي عبر المصادقة على كل القوانين الأساسية والفصل في الزيادات التي سيستفيد منها ما يعادل 1 مليون و500 ألف موظف، وهي خطوات تأتي كذلك ضمن مسار تحسين القدرة الشرائية للمواطنين التي استفادت خلال العهدتين السابقتين بعدة إجراءات هامة، في مقدمتها رفع الحد الأدنى للأجور من 6 آلاف دج إلى 21 ألف دج مع زيادات في الأجور والمنح بصفة عامة على عدة مراحل لكنها لم تصل إلى المستوى المطلوب بالنظر إلى الارتفاع الذي شهدته الأسعار خلال الفترة المذكورة. التزام آخر قدمه المترشح بوتفليقة للطلبة الجامعيين وطلبة التكوين المهني خلال الزيارة التي قادته إلى ولاية سيدي بلعباس عشية الحملة الانتخابية، يتمثل في رفع المنح الدراسية لهؤلاء بنسبة 50 بالمئة بداية من الدخول الجامعي المقبل، علما أن الطلبة الجامعيين لم يستفيدوا من رفع منحهم الدراسية لفترة تجاوزت 51 سنة، وهو ما فتح مجال اللجوء إلى السرقة بالنسبة لبعض الطلبة. ولم تنحصر وعود بوتفليقة في الجانب الاجتماعي فقط، بل شملت المتعاملين الاقتصاديين في مختلف المجالات عبر الالتزام بتخفيض الأعباء الجبائية، سيما لصالح المتعاملين في مجال انجاز السكن شرط أن يُساهموا في توفير مناصب الشغل، مع التذكير أنه تم البدء في تجسيد القرار الذي أعلنه عشية الحملة الانتخابية من ولاية بسكة بتاريخ 82 فيفري الماضي والمتمثل في مسح ديون الفلاحين التي تُعادل 14 مليار دج. ويبقى هاجس تسوية الملفات الاجتماعية حلول ''الاضرابات'' كبديل للحوار وتهديد للسلم الاجتماعي الذي تم صونه طيلة العهد السابقة، وهو الرهان الذي سيسمح للوعود بالتحقق وللمواطن تحسين المستوى المعيشي الذي لا يزال لم يصل إلى الحد المطلوب بالرغم من الإجراءات المتخذة لغاية الآن. عمار قلعي الثقافة الغائب الأكبر في الحملة .. الحاضر في العهد الثالثة ينتظر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، خلال عهدته الثالثة، عدد من الملفات الثقافية التي بإمكانها المساهمة في تفعيل الحراك الثقافي الذي تحقق منذ تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية، ولعل أهم هذه الملفات إنشاء المركز الوطني للكتاب الذي يساهم في تثبيت سياسة وطنية للكتاب، اضافة إلى ملفات متعلقة بالإنتاج السينمائي واستعادة قاعات السينما بغرض إعادة ترميمها ومنحها للمخرجين الجزائريين لتسييرها وتحويل عائداتها لبعث الإنتاج السينمائي الجزائري. ليس من المبالغة القول إن العهدتين السابقتين من حكم الرئيس بوتفليقة، تميزتا ببروز آمال كثيرة لتطوير الحياة الثقافية. وكل ما يمكن قوله الآن هو أن العهدة الثالثة، في ما يتعلق بالفضاء الثقافي، الذي تم تغييبه في خطاب المترشحين للرئاسيات، ستكون بمثابة استمرار للمشاريع الثقافية الكبرى التي تم الشروع فيها خلال السنوات الأخيرة، منها احتفالات تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية، ومختلف المهرجانات الثقافية الولائية. وقد ساهم بقاء وزيرة الثقافة خليدة تومي على رأس هذه الوزارة منذ عشر سنوات تقريبا في تحقيق الاستمرارية، وكان بمثابة عامل ايجابي ساهم في ديمومة واستمرار التصورات الثقافية التي يريدها الرئيس الذي أكد في رسالته التي بعث بها إلى المشاركين في حفل اختتام تظاهرة الجزائر عاصمة للثقافة العربية، على ضرورة التكريس للفعل الثقافي باعتباره أداة مهمة لزرع السلم بين أوساط المجتمع. وقد اتضح أن القرار السياسي أصبح يولي اهتماما واضحا للفعل الثقافي، وتزامن ذلك مع رفع ميزانية الثقافة إلى أربعة عشر مليار دينار السنة الماضية، ومنح وزارة الثقافة هامشا هاما للتحرك نحو تحقيق انجازات كثيرة، جاء على رأسها فتح مكتبة عمومية في كل بلدية، وسعي وزيرة الثقافة لتخصيص مكتبة من مشروع مائة محل، واستعادة ستة مسارح بلدية ومنحها صفة مسارح جهوية، تحظى بميزانية سنوية تمنح من قبل الوزارة الوصية، اضافة إلى بناء عدد من المسارح الجديدة في المدن التي لا تملك مكانا لأبي الفنون، إضافة إلى الدور الهام الذي يلعبه اتحاد الكتاب الجزائريين في تفعيل الساحة الثقافية. كما مكنت الميزانية التي رصدتها وزارة المجاهدين للمركز الوطني للبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة نوفمبر، في ترجمة أهم المؤلفات التي تناولت تاريخ الجزائر الحديث، ضمن منظور المصالحة مع التاريخ الذي رافق تصور الرئيس بوتفليقة، منذ عام 1999، والذي تحقق من ورائه مصالحة مع الرموز الوطنية بدءا بمصالي الحاج وفرحات عباس، مما أدى إلى وضع حد للعلاقة المتوترة مع التاريخ. لقد ألقى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المسؤولية على النخب للدعوة إلى الحوار الثقافي ونشر ثقافة الاعتراف بالآخر والإشادة بتنوع الثقافات والتركيز على أهمية التنوع، ومثل هذه السياسة الثقافية يجب أن تستمر، وهي من أكبر الرهانات التي تنتظر الرئيس القادم لكي تتحول الثقافة إلى فعل مرتبط بالمواطنة، وليس مجرد إنتاج إبداعي وفكري ينأى عن الواقع. ذهبية عبد القادر بعد التفويض الشعبي الواسع بوتفليقة يعالج آخر ملفات المصالحة يفتح التفويض الشعبي الواسع الذي حصل عليه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، المجال أمام رئيس البلاد للذهاب بعيدا بمبادرات في الملف الأمني كان أعلن عن ملامحها خلال حملته الانتخابية، وتكون رهانات الرئيس بوتفليقة على النسبة التي حصل عليها في سياق تصميم على فتح شقين واضحين. ويتعلق الأول بمواصلة نهج المصالحة الوطنية، بإبقاء الباب مفتوحا أمام الراغبين في تطليق السلاح والعودة إلى أحضان المجتمع، لكن هذا الشق بدا مقيدا بآخر في حملة بوتفليقة على مدار ثلاثة أسابيع، وهو مواصلة نهج مكافحة الإرهاب بشكل أوسع ضد عناصر التنظيمات التي ترفض مجرد الاستماع لنداءات التوبة التي أطلقها علماء الدين ورجال السياسة. وأمام الرئيس بوتفليقة إذن رهان، هو إنهاء مظاهر العنف بشكل نهائي وإغلاق ملف الجماعات الإرهابية الذي لازم الجزائر لعشريتين، لكن بفعالية أقل في العشرية الأخيرة، لذلك كانت إشارات الرئيس متوجهة نحو ''العفو الشامل''، وقد ذكر هذا الملف في تمنراست، وبدت الصورة أول الأمر أنه مجرد حملة انتخابية، قبل أن يعيد الرئيس طرح الموضوع في ڤالمة. ويرضي حل العفو الشامل الكثير من الفعاليات السياسية، فقط لأن الرئيس وعد بأنه سيتم بشروط هي ''وضع آخر مسلح لسلاحه''، حيث اعترف من ڤالمة بأن ''سياسة استئصال الإرهاب قديمة وغير ناجحة''، وقال: ''في حالة تزكية الشعب الجزائري لي، فإن فترتي الرئاسية المقبلة ستكون مقترنة بعودة السلم النهائي في البلاد'' ملفتا إلى أنه سوف يتابع سياسة المصالحة مهما كلفه ذلك (..)، مثلما شدّد على أنه ''لن يرضخ لأي ضغوط''. وتعكس هذه التصريحات رغبة من الرئيس في طي ملف ''مخلفات'' المصالحة، وهي ملفات ليست واسعة وتتعلق ببعض المطالبين بحقوقهم، والتي تشير مصادر إلى أن بوتفليقة ينوي معالجتها في أول مجلس وزراء يعقده مع الحكومة الجديدة بعد إعلان الحالية استقالتها تلقائيا. ويلوح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة باحتمال إقرار إجراءات تكميلية لخطة المصالحة المعمول بها منذ مارس 6002، حيث قال مراهنا ''يستوجب اتخاذ إجراءات أخرى''، متصورا أن المصالحة تحتاج إلى جرعة أخرى، مع أنها مكنت من نزع سلاح ستة آلاف إرهابي منذ تطبيقها بحسب آخر تصريحات وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني. وقد بدا المترشح بوتفليقة، في محاولة لجس نبض الجزائريين إزاء هذا الملف، وختم حملته بالتأكيد بناء على ما لاحظ أن عفوا شاملا لن يتم دون الاحتكام إلى استفتاء شعبي، وأعطى بوتفليقة في آخر مهرجان جماهيري له برسم حملة الدعاية لانتخابات الرئاسة، إشارات قوية إلى أن فترته الرئاسية المقبلة (9002 - 4102) ستشهد ثالث استفتاء منذ توليه شؤون الحكم في ربيع العام 9991. وقد أكد مدير الحملة الانتخابية عبد المالك سلال، بأن ''بوتفليقة متمسك بمشروع السلم والمصالحة الوطنية، وعلى ضرورة مواصلة التمنية الاقتصادية، الاجتماعية والبشرية''. وفي تطرقه لموضوع العفو الشامل، قال سلال بأن ''القضية ليس قضية رجل لوحده'' وأن الشعب هو من سيستشار في الوقت المناسب حول قضية العفو الشامل، في الوقت الذي يعود فيه الأمن بشكل كامل في البلاد''. سهيلة بن يحيى التحالف الرئاسي باق وخارطة جديدة للطبقة السياسية الآن وقد فاز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعهدة رئاسية ثالثة، فان الأنظار ستتجه الى ماقد يتخذه من قرارات ليس فقط على المستوى الاجتماعي او الاقتصادي ولكن الاهم من ذلك في نظر المتتبعين هو الجانب السياسي، ولن يكون هذا المجال مصدره العدم ولكن على ضوء ما طوره من أفكار وطروحات طيلة تسعة عشر يوما من عمر الحملة الانتخابية. بعد اعلان المجلس الدستوري في اجل أقصاه عشرة ايام لنتائج الانتخابات رسميا يكون الرئيس الجديد على موعد مع إعلان تركيبة ''حكومية'' جديدة تشرف على تنفيذ برنامجه القديم المتجدد على ضوء تصوراته لتدارك النقائص التي شرع في تعدادها منذ الصائفة الماضية عندما لاحظ اختلالا في الإستراتيجية الاقتصادية وبخاصة ما تعلق بشق الاستثمار. ومن المؤكد أنه من الصعب جدا ان يتم التكهن حول هوية الأسماء التي يعتمد عليها الرئيس بوتفليقة في العهدة الثالثة، ومدير حملته الانتخابية وزير الموراد المائية السابق عبد المالك سلال رفض الخوض امس السبت في الموضوع عندما سألته صحفية من القناة الإذاعية الثالثة، مما يؤكد ان كل الاحتمالات واردة وقد يتم الذهاب نحو الاحتفاظ بنفس الاسماء على خلفية المثل القائل ''لا يجب تغيير فريق يحقق النجاحات'' ام ان الرئيس بوتفليقة قد يلجأ الى اعتماد اسلوب ''الدكليك'' من خلال اختيار اسماء جديدة تسند لها مهمة الانتقال الى ''السرعة الفائقة'' في عملية تنفيذ المشروع المتعدد المجالات. وبين هذا وذلك فإن الرئيس بوتفليقة حدد الكثير من المعالم فيما يخص نظرته للوضع السياسي في البلاد ليس فقط ما تعلق بكيفية المواصلة في تنفيذ المصالحة الوطنية، ولكن ايضا ما ارتبط بملف الخارطة السياسية الممكن ان يتم تجسيدها في جزائر تريد ان تضع حدا لتعدد الاقطاب وبناء ساحة على طريقة الدول العريقة في الممارسة الديمقراطية، وهذا ما يؤدي حتما الى الذهاب نحو تكملة تعديل الدستور لتجسيد هذه الافكار التي يدافع عنها الرئيس نفسه ويتكفل مقربون بتسويقها في اكثر من محفل وطني. لكن ذلك لن يكون إلا بشروط تحدد قواعد ''اللعبة السياسية'' في البلاد؛ فتوجهات الرئيس واضحة في هذا السياق، وما تحقق من مكاسب طيلة السنوات الماضية من الواجب تثمينه فهو القائل بأنه يرفض التطرف مهما كان لونه سواء استئصاليا أو إسلاميا وأن جزائر 9002 غير جزائر8991 وعلى هذا الاساس لا يستبعد ان يقدم الرئيس بوتفليقة وصفة جديدة قد تغيب عن اذهان حتى الطبقة الداعمة له اليوم، ولكن هدفها سيكون معلوما لدى العام والخاص وهو ترتيب شؤون البلاد من الناحية السياسية، وتؤسس قطيعة مع مخلفات الازمة الامنية. ومن هذه الزاوية يفهم اصرار مدير حملته في اكثر من حديث مع الصحافة قصد المساهمة في تجسيد نظرة جديدة ترمي الى تنقية الاجواء السياسية وحمل البلاد الى اعتماد نفس المعايير المعتمد عليها في الدول الاكثر ديمقراطية من خلال خلق اقطاب سياسية تكون ركيزة لممارسة تبعد كل اشكال التصادم بقدر ما تكرس التنافس بالافكار والبرامج، ولتحقيق هذا المبتغى، كما لا يستبعد ان يكون موضوع اعادة النظر في قانون الانتخابات الورشة الاكبر في عهدة توضح الكثير من معالم الممارسة السياسية. ولم يخف الرئيس بوتفليقة هذه الرغبة منذ مدة وهو الذي طالب في اكثر من مرة الطبقة السياسية بالانخراط في هذا التوجه وقال ''لماذا يكون في الجزائر هجين أحزاب سياسية ولا نصل الى اعتماد الخارطة نفسها التي تعرفها الدول المتقدمة''، ويبرز هذا التوجه الحاجة الملحة الى ضرورة اعادة ترتيب امور البيت الداخلي للمضي في طريق تعميق الممارسة الديمقراطية على اسس صحيحة تجعل الجميع يجد فضاء يعبر عن أفكاره وبإمكانه ان يفتح له آفاق تجسيدها عبر بوابة الانتخابات ومن ثم الحكم. سميرة بجاوي أمام ''بقايا الإرهاب'' الموت في الكهوف أو وضع السلاح والعودة في العهدة الثالثة لم يترك الرئيس المنتخب عبد العزيز بوتفليقة أي مجال لتكهن حدوث أي جديد في السياسة الأمنية التي تنتهجها السلطات منذ أن جاء الى الحكم في 1999، والدليل تلويح الرئيس خلال الحملة الانتخابية بسيف الحجاج القاطع في وجه الرافضين الانصات إلى صوت المجتمع الداعي المغرر بهم إلى العودة إلى أحضانه. كما لم يفوت الرئيس بوتفليقة الفرصة دون وضع النقاط على الحروف بالنسبة لمعالم الفترة القادمة، في مجال ما أصبح يعرف بترقية المصالحة الوطنية إلى عفو شامل قبل أن يلقي الإرهابيون السلاح دون رجعة، وهو تكتيك ذكي ينم عن سياسة جديدة تعتزم السلطات الأمنية انتهاجها بعد نجاح مسعى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في خنق عناصر الجماعة السلفية للدعوة والقتال وشبكات دعمها اللوجيستي والإعلامي وحشرها في الزاوية الضيقة قبل القضاء عليها . المراقبون يقرأون ثلاثة جوانب أساسية في سياسة السلطات في معالجة الملف الأمني: الأول استمرار سياسة اليد الممدودة في وجه المترددين في النزول من الجبل وتطليق لغة السلاح إلى الأبد ما يفسح الباب أمامهم للاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية. الجانب الثاني في هذه السياسة، استمرار القبضة الحديدية والحرب التي لا هوادة فيها ضد الإرهابيين المتحصنين بمناطق محددة داخل الوطن. أما الجانب الثالث في هذه السياسة، فهو يقوم على الاستثمار الجيد لعمليات النزول الفردية والجماعية لقيادات والعناصر الإرهابية ومحاصرة مثلى لعوامل الانحراف نحو العنف، واعتماد صور جديدة في تعامل الإدارة مع هؤلاء التائبين. باختصار، سيظل السلم الأمني في المشهد الجزائري، ورقة رابحة لأي إصلاح، ويرى المراقبون بأن المطلوب ، خلال الفترة القادمة، الحفاط على المكاسب المحققة والاستمرارية في مواصلة العمل بهذا الأسلوب المتطور والنوعي، القائم على ''تعرية'' الإرهابيين من أي ''أصول ومرجعيات دينية''، مع إيلاء الجانب التوعوي في جميع المحافل الوطنية والدولية الأهمية القصوى، لانه كفيل بجلب مزيد من الدعم من جانب مختلف فئات المجتمع الجزائري بوجه خاص، كي تستمر في "اليقظة والتجند '' حتى يتم اجتثاث براثن هذه الآفة من فوق تربة الجزائر.