كان يمكن لكتاب " انصرفوا فأنا أحميكم" لرجل المخابرات الفرنسي باتريك بابنتونديي أن يمر في صمت، تماما مثلما مرت تصفية المعارض المغربي هشام المندري قبل خمس سنوات في صمت، لولا أن صحيفة " لوموند" الفرنسية التقطت الفقرات البارزة منه وأعادت " تفجيرها" في شكل قنابل وصلت شظاياها إلى البلاط المغربي الذي هدد بمقاضاة الصحيفة وليس صاحب الكتاب أو حتى " دار باناما" باعتبارها الجهة الناشرة للكتاب القنبلة. يركز باتريك بابنتونديي في كتابه الصادر مؤخرا عن ظروف اغتيال المعارض المغربي هشام المندري الذي صرح بأنه إبن الملك المغربي الراحل الحسن الثاني من إحدى عشيقاته، وهو التصريح الذي كلفه حياته، حيث تمت تصفيته عام 2004، وعن هذه التصفية الغامضة، يقول مؤلف الكتاب الذي عمل في المخابرات الفرنسية، إن رئيسه المباشر اعترف له في خريف 2005 " أي سنة بعد تصفية المندري" بأن الفاعل له صلة وثيقة بالمخابرات المغربية، مضيفا في شكل تساؤل، لماذا لم يكلف أحد نفسه بالبحث عن آخر فتاة اتصلت بالمندري هاتفيا قبل وقوع الجريمة بساعات؟ وبعد أن يذكر الكاتب بأن هشام المندري كان مطلوبا في أوساط مافيا المال والأعمال، كونه أحد البارونات المالية في المغرب، وشغل مناصب حساسة، منها المستشار الشخصي للملك الحسن الثاني" حيث كان قريبا منه أكثر من اللازم"، يعود ليركز على دوره في تأسيس " المجلس الوطني للمغاربة الأحرار" الذي يعد تنظيما معارضا للملك، ومنه يدخل الكاتب في تفصيل أسرار التصفية التي طالت المندري لتصبح مرتبطة بأسباب سياسية وأخرى " شخصية جدا" حسب الكاتب الذي يذهب في طرحه إلى تفنيد المزاعم المغربية الرسمية بأن المندري " لا علاقة له بالأسرة المالكة"، بناء على شهادة امرأة تسمى شهرزاد، قالت إن هشام هو ابنها وأن الحسن الثاني ليس والده، ويسرد مؤلف الكتاب شهادة المندري نفسه التي أدلى بها أمام فضائية فرنسية، قال فيها إن شهرزاد هي مربيته فقط، وأمه تدعى فريدة كانت محجوزة داخل القصر مع عشرات النساء ممن كن عشيقات الملك، كما عاد المؤلف إلى بعض حوارات المندري مع صحف فرنسية قبل تصفيته، ومنها الحوار الذي يذكر فيه دور المخابرات المغربية في تدعيم الإرهاب وتصديره إلى الجزائر من خلال الجماعات الإسلامية المسلحة. ويتحدث مؤلف الكتاب الفرنسي عن تفاصيل يقول إنها سببت حرجا كبيرا للملك الحسن الثاني، ومن ذلك تصريح المندري بأنه يتوفر على وثائق خطيرة " بإمكانها قلب الأمور في المغرب رأسا عن عقب"، وهو التصريح الذي أثار قلقا كبيرا في المغرب وفي فرنسا، فتحركت بذلك حسب المؤلف آلة المخابرات الفرنسة المغربية بالتنسيق مع المخابرات الإسبانية حيث قتل هشام هناك، وبعد ذلك مباشرة كتبت صحيفة " الباييس" الإسبانية تتساءل عن خلفيات وأسباب الثقة المطلقة التي كان يحوزها المندري من الملك الحسن الثاني المعروف بأنه شخص يحذر من ظله، متسائلة إن لم يكن المندري ابنا للحسن الثاني، كيف يثق به إلى هذه الدرجة؟