إنتقد المشاركون في ندوة ''العلاقات الجزائرية الأوروبية، الماضي، الحاضر والمستقبل'' التي نظمت الخميس الفارط في جامعة لندن دول الاتحاد الأوروبي بسبب فشلها في تحقيق شراكة حقيقية ومتوازنة مع الجزائر على الرغم من دورها الريادي على المستوى العربي والإفريقي، ناهيك عن موقعها الاستراتيجي بالنسبة للقارة الأوروبية. واتجهت الندوة التي شارك فيها دبلوماسيون بريطانيون إلى انتقاد الدور السلبي لفرنسا بإصرارها على ممارسة ''الوصاية'' غير المباشرة على الجزائر ومحاولة إملاء نظرتها على باقي دول الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر بالاستثمار أو التجارة مع الجزائر. وكان من أبرز المنتقدين لهذه السياسة البارونة إليزابيث سايمونس الوزيرة البريطانية السابقة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية والتي قالت في افتتاحها للندوة أنه من غير الطبيعي أن تنتظر بعض الدول الأوروبية الضوء الأخضر من باريس للدخول في مفاوضات أو شراكة مع الجزائر. وذكرت المسؤولة البريطانية التي زارت الجزائر عدة مرات والتقت الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن الاتحاد الأوروبي يفرض على الجزائر شروطا تعجيزية وجامدة، على حد وصفها، من أجل الشروع في مجرد مفاوضات تجارية أو اقتصادية، كما أن الاتحاد، تضيف المتحدثة، يريد فرض أجندته على دول مثل الجزائر ثم يدعي أنه يريد خلق شراكة إستراتيجية. وواصلت البارونة انتقاداتها لإصرار بعض الدول الأوروبية على التلويح بملفات حقوق الإنسان، وعلقت قائلة'' لدي قناعة أن البعض لا يفرق بين حقوق الإنسان والحقوق المدنية''، مشيرة إلى أن بعض القادة الأوروبيين يريدون فرض وجود إسرائيل ومصالحها على اجتماعات الشراكة الأورو- متوسطية الأمر الذي يؤدي دائما إلى حالة الانسداد. ولأن الاتحاد الأوروبي يتألف من 27 دولة مستقلة مما يصَّعب من مهمة ''إرضاء الجميع'' حسب البارونة، إلا أنها أكدت أن بريطانيا تعمل على تعزيز علاقاتها مع الجزائر التي بدأت تعرف تطورا وديناميكية في السنوات الأخيرة، كما قالت، هذا فضلا عن دورها وموقعها الاستراتيجي في المنطقة، مضيفة بالقول أن الجزائر لم تعد في حاجة إلى مساعدات مالية من أوروبا أو غيرها وهذا يعطيها الحق في تقرير أجندتها السياسية والاقتصادية والمالية التي تراها مناسبة وتلائم طموحاتها، إلا أن البعض لم يستوعب الأمر بعد ولا يزال يحاول تلقين الجزائر وبعض الدول العربية دروسا في الديمقراطية على الطريقة الأوروبية، تشير الوزيرة السابقة التي اقترحت على الأوروبيين الاعتراف واحترام اختلافات الدول العربية مثلما تختلف كل الدول الأوروبية حتى في السياسات التي تبدو محل إجماع وضربت لذلك مثلا بقضية الصحراء الغربية حيث تدعم الدول الاسكندنافية استقلال الصحراء الغربية، بينما تدعم فرنسا وإسبانيا مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، في حين أن بريطانيا، تقول الوزيرة، مع القرارات التي تعتمدها الأمم المتحدة. ولم تختلف أراء الدكتور هيو روبرتز، أبرز خبير بريطاني وأوروبي في الشأن الجزائري، عن أراء البارونة سايمونس، حيث أكد أن من يدعي أن الوضع الأمني في الجزائر يشكل عائقا حقيقيا أمام بناء شراكة حقيقية مع الطرف الأوروبي فعليه أن يثبت لنا بالدليل ويبين لنا القواعد التي استند عليها ليصل إلى تلك النتيجة، وقال روبرتز أنه عاش في الجزائر طويلا ويعرف العقلية الجزائرية جيدا ونصيحته للدول الأوروبية هي أن الجزائر لا تحب من يتدخل في شؤونها الداخلية ولا من يعبث بسيادتها أو يقلل من الاحترام الواجب لها، مؤكدا أن محاولة فرض القيم الديمقراطية الأوروبية والغربية عموما على مجتمعات مختلفة سوف لن يأتي بالجديد، ومعبرا عن قناعتها أنه لو أصبحت الجزائر في المستقبل ديمقراطية كبيرة فسيكون ذلك بفضل جهود أبنائها وبأفكار جزائرية محضة. من جهته تحدث الدكتور حكيم دربوش الباحث الجزائري في معهد أوكسفور لأبحاث الطاقة على ضرورة أن تلتزم الدول الأوروبية بنقل التكنولوجيا إلى الجزائر إذا كانت تبحث عن خلق شراكة حقيقية على الأقل فيما يخص تأمين حاجيات أوروبا من الطاقة، واعتبر الباحث الجزائري الذي شغل مستشارا في بروكسل لدى حلف الناتو أنه من واجب الدول الأوروبية مساعدة دول الضفة الجنوبية للمتوسط على امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية لتلبية حاجياتها المستقبلية من الطاقة على اعتبار أن الغاز والنفط لن يدوما للأبد.وبدوره أكد البروفيسور الجزائري محمد سعد الأستاذ بجامعة ''ويست إنجلند'' الإنجليزية على ضرورة أن تساعد أوروبا على نقل المعرفة وتطوير الجامعات وليس اعتبار الجزائر مجرد ''زبون جيد'' وحصر العلاقات على القطاع التجاري أو النفطي بشكل حصري. جدير بالذكر أن الندوة نظمتها جمعية الدراسات الجزائرية بالتعاون مع مجلس تعزيز التفاهم العربي البريطاني وبمشاركة نخبة من السياسيين البريطانيين، من بينهم نواب بمجلس العموم وسفراء سابقون في الجزائر، إضافة إلى وفد من السفارة الجزائرية في لندن، فضلا عن خبراء سياسيين واقتصاديين من الجانبيين. مراسلنا في لندن سامي براهيمي