الصحفي والباحث الفرنسي فريدريك مارتل، ''ماين ستريم'' (منشورات فلاماريون 2010 )، ضجة إعلامية واهتماما في أوساط المثقفين. ويقصد مارتل بعنوان كتابه "الثقافة الشعبية''، أو الثقافة المسيطرة على ضوء العولمة والتحولات الحاصلة على مستوى السياسة الدولية. كما يشير مصطلح ''ماين ستريم'' الإنجليزي إلى وجود ثقافة مسيطرة، مثلما يوجد في السياسية مصطلح ''الحزب المسيطر''، أو ''الرجل ذوي النفوذ'' . وفي الاقتصاد يمكن الحديث عن ''السلعة المنتشرة بقوة''. ومن هذه العوالم أخذ مارتل مصطلح "ماين ستريم''، لتشريح ظاهرة الثقافة الشعبية المسيطرة وعلاقتها بالعولمة. يثير كتاب وقد أمضى فريدريك مارتل سنوات عديدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، واشتغل ملحقا ثقافيا لفرنسا فاقترب من الثقافة الأمريكية فقام بسلسلة من التحقيقات الميدانية، فنشر عدة كتب أهمها ''حول انحطاط المسرح في أمريكا''. و''عن الثقافة في أمريكا'' حيث قدم نقدا للثقافة الأمريكية وتحدث عن ما أسماه ''الامبريالية الثقافية'' التي تمارس على أوروبا، في الوقت الذي يصف فيه الأوروبيون شعب أمريكا بالشعب ''الجاهل'' ثقافيا. ويؤكد مارتل في كتابه ماقبل الأخير أن الثقافة منتشرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، رغم الغياب الكامل لوزارة الثقافة، على المستوى الفدرالي العام كما على مستوى الولايات. غير أن هذه الثقافة تندرج ضمن ''نموذج استهلاكي''، لكن ''الميزانية الثقافية العامة في الولاياتالمتحدة بالنسبة للفرد تساوي، بل تزيد على نظيرتها في فرنسا''. أما قيمة الأموال الخاصة "الممنوحة'' للثقافة في أمريكا فيتم تقديرها سنويا ب5 ،13 مليار دولار. هذا ناهيك عن مساهمات مؤسسات ثقافية شهيرة مثل مؤسسات روكفلر وفورد وكارنيجي وغيرها. وفي كتابه الجديد ''ماين ستريم''، يحلل مارتل كيف تطورت الثقافات المحلية والوطنية رغم تيار العولمة الجارف، ورغم قوة النفوذ الأمريكي في هذا المجال. وعلى خلاف الأفكار السائدة إلى حد الآن بخصوص العلاقة بين الثقافة والعولمة، والتي تروج لفكرة قيام العولمة على القضاء على الثقافات المحلية قضاء مبرما، يقدم مارتل نظرة مغايرة، ويعتبر أن العولمة ساهمت في بروز ثقافات شعبية محلية أصبحت بمثابة ''ماين ستريم'' في بلادها الأصلية، ويستشهد بأفلام ''بوليوود''، في الهند، ومحاولات البرازيل والصين والهند لفرض نماذج ثقافية تحول دون الذوبان في ثقافة العولمة، باسم التنوع الثقافي. وأوروبا نفسها لن تخرج عن هذه القاعدة، بحيث يقدم مارتل نموذجا سينمائيا أوروبيا يريد فرض نفسه في وجه الهيمنة الأمريكية، ويتعلق الأمر بتجربة كل من بيدور المودوفار باسبانيا، ولوك بيسون بفرنسا. لكن تبقى ثقافة ''ماين ستريم'' حسب مارتل بمثابة ثقافة شعبية مسيطرة، تنتج سلسلة من القيم التي تروج بدورها لتسلية ثقافة، وتجعل العالم في الوقت بمثابة خليط بين الثقافة الشعبية والفن، بحيث أن الحدود تنعدم وتنكسر الحواجز، ليسقط الطرح الأوروبي المركزي الذي يؤكد على سيطرة ثقافية أوروبية عقب التهديد الأمريكي. من هنا يأخذ تعبير ''ماين ستريم'' منحى جديدا، وهو قدرة الشعوب على إنتاج ثقافات خاصة بها. لكن الوضعية ليست على هذه الصورة من التجانس والتناغم، إذ يستنتج مارتل في خاتمة كتابه أن العالم يعرف حاليا ''حربا عالمية ثقافية''، بين ثقافات ''ماين ستريم'' التي تأخذ شكل الغزو والمقاومة في نفس الوقت، عبر محاولات السيطرة على الأخبار في ما يتعلق بوسائل الإعلام، والأحلام في ما يخص بالثقافة، بين الدول المسيطرة والدول النامية. وتعد ظاهرة السيطرة على السينما ودور العرض من أبرز أوجه هذه الحرب إلى حد أن هولييود أنشأت مؤسسة خاصة لمتابعة العلاقة مع الكونغرس الأمريكي، وفرض تصوراتها التجارية بواسطة لعبة "اللوبيات''. كما تشكل ظاهرة تبادل المعلومات عبر الإنترنت أحد أبعاد هذه الحرب، ويضاف إليها ظاهرة السيطرة على حصص ''التولك شو'' في التلفزيونات العالمية مخصصا فصلا كاملا في كتابه لقناة الجزيرة في قطر.