قد عرفنا أن الشرع قد أمر الإنسان باتخاذ الأسباب لدفع الضر الذي نزل به، والمرض مما يصيب الإنسان ويؤذيه ويؤلمه، فهل لهذه الأسباب المؤدية لرفع المرض ودفعه عن الذات من أحكام؟اختلف العلماء قديماً في حكم التداوي بالمباح؛ فعند أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب، ومذهب الشافعي استحبابه، ومذهب مالك أن التداوي وتركه سواء، وعند أحمد أنه مباح وتركه أفضل. وأما التداوي بالمحرمات فمذهب جماهير العلماء تحريمه لما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليك)؛ ولا سيما الخمر لما في الصحيح أنها داء وليست بدواء. قال ابن تيمية: فإن الناس قد تنازعوا في التداوي: هل هو مباح أو مستحب أو واجب؛ والتحقيق أن منه ما هو محرم، ومنه ما هو مكروه، ومنه ما هو مباح، ومنه ما هو مستحب، وقد يكون منه ما هو واجب وهو: ما يعلم أنه يحصل به بقاء النفس لا بغيره، كما يجب أكل الميتة عند الضرورة، فإنه واجب عند الأئمة الأربعة وجمهور العلماء. وقد أصدر مجلس مجمع الفقه الإسلامي قراراً بشأن العلاج الطبي جاء فيه: الأصل في حكم التداوي أنه مشروع، لما ورد في شأنه في القرآن الكريم والسنة القولية والعملية، ولما فيه من حفظ النفس الذي هو أحد المقاصد الكلية من التشريع، وتختلف أحكام التداوي باختلاف الأحوال والأشخاص: فيكون واجباً على الشخص إذا كان تركه يفضي إلى تلف نفسه أو أحد أعضائه أو عجزه أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره، كالأمراض المعدية. ويكون مندوباً إذا كان تركه يؤدي إلى ضعف البدن ولا يترتب عليه ما سبق في الحالة الأولى. ويكون مباحاً إذا لم يندرج تحت الحالتين السابقتين. ويكون مكروهاً إذا كان بفعل يخاف منه حدوث مضاعفات أشد من العلة المراد إزالتها. وقال ابن عثيمين: فالأقرب أن يقال: إن ما علم أو غلب على الظن نفعه مع احتمال الهلاك بعدمه فهو واجب. وما غلب على الظن نفعه ولكن ليس هناك هلاك محقق بتركه فهو أفضل. وما تساوى فيه الأمران فتركه أفضل لئلا يلقي الإنسان بنفسه إلى التهلكة من حيث لا يشعر.