في الماضي القريب كانت العلاقات الاجتماعية في الجزائر العاصمة تتميز بالتلاحم والتضامن حيث كان للجار مكانة كبيرة ومحترمة كما أوصى الرسول عليه الصلاة والسلام وكان للجار حق التدخل حتى في تربية أبناء الجيران ينهاهم وينصحهم لأنهم كانوا بمثابة أبنائه وأعز أما اليوم فأصبحت هذه الكلمة في خبر كان محذوفة من قاموس الزمن الجميل الكل منا يتذكر حفلات وأعراس زمان وحتى في المناسبات الصغيرة حيث كانت مظاهر الاحتفال تبدأ بالحركة الدؤوبة بين الجيران والمشاورة يعرضون مساعدتهم ابتداء من الأواني إلى الأفرشة والشقق فبمجرد أن يقول أحد الجيران عن التاريخ الفلاني لعرس ابنه حتى تتهاطل عليه كل أنواع المساعدات والعروض لاستلاف الشقق لتوسيع المكان يوم العرس كما يطلب الزوج من زوجته ان ترافق أهل العرس وتستجيب لطلباتهم وتساعدهم في الأعمال المنزلية وتحضير الحلويات وغيرها من أعمال أخرى تضامنية وهذه الظاهرة كانت تمس حتى حفلات الختان أو المناسبات عاشوراء أو المولد النبوي الشريف حيث يتبادل الجيران الطباق فيما بينهم والحلويات وكل ماهو مرتبط بالمناسبة المقامة أما في الحاضر الذي نعيشه فإن الجار يعيش في سرية تامة كأنه عميل للمخابرات فأحيانا لا احد يعرف من هو ولا أحد يعرف هويته أو عمله وقد حدث وان جاء أناس من خارج العاصمة إلى أقاربهم ووصلوا في مقربة من بيوتهم وسآلو عنهم جيرانهم فأجابوا بأنهم لا يعرفونهم وحتى أطفالهم تدربوا على سيرة أهاليهم وحركتهم قليلة في العمارة او الحي او الشارع وان تحتم الوضع والتقيت بجارك فإنك تجد لديه ابتسامة دبلوماسية بارد ة وحركة إيمائية بالرأس وكلمات تحية لا يكاد يسمعها حتى صاحبها وترتبط هذه التصرفات خاصة بالقاطنين بالعمارات المتواجدة بالأماكن الراقية المعروفة على سبيل المثال وفي هذا الصدد التقينا بالعديد ممن عبروا لنا عن أسفهم حيث أكد لنا " احمد" أنه كان من سكان أحد الأحياء بحيدرة المتواجدة بأعالي العاصمة وكانت له عشرة قديمة مع جيرانه ولكن بسبب ضيق المسكن ولكثرة أولاده أضطر إلى الانتقال إلى مسكن أوسع وهو يحمد الله على نعمة الفرج وفي نفس الوقت يتحسر على الأيام الماضية ذات الذكريات التي قضاها رفقة جيرانه في الأعياد الدينية والمناسبات ويقول احمد انه في أي مناسبة كان جاري هو السباق حيث يبعث لي بصحن الأكل التي تم طهيها و كنا نتبادل الأطباق حسب المناسبات خاصة في المولد النبوي الشريف ولكن اليوم يقول انتقلت لبيت أوسع ولكنه خال من روح العشرة الدائمة للجيران وكم افتقدت هذا وأكد أنه لا يكاد يعرف وجه جيرانه الذين لا يخرجون مشيا على الأقدام بل في السيارات وإن تحتم الأمر فإنهم يسيرون في الشارع مطأطئي الرؤوس عمدا حتى لا تقع أعينهم على أعين الآخرين تفاديا لتبادل التحية أو التعارف أما السيدة "سعاد" التي تجاوزت السن السبعين فلا زالت تتذكر الماضي البعيد حيث قصت لنا عن الزمن الجميل واستنكرت تصرفات جار اليوم قائلة "إذا طرقت باب جارك اليوم يقابلك بنظرة باردة طريقة استقباله لك معناه انه يرفضك أصلا ما بالك إذا أردت أن تستلف خبز أو كيس حليب" وأضافت الحاجة سعاد في الماضي كانوا يستلفون الدقيق والزيت وحتى اللحم إذا فاجأك ضيف وكان الجار يستر جاره عن رأى عيبا فيه حتى كنا نربي أطفال الجيران مع أبنائنا دون أن نحتاج إلى مقابل أو شكر بل نحسبه أمرا عاديا وننهي أطفال الجيران عن المنكر ولكن جار هذا الزمن وخاصة في المدن الكبرى أصبح لا يطيق أدنى تنبيه على أطفاله ويصل إلى حد الخصام والشجار والقطيعة أحيانا وتصوروا عندما يكبر هذا الجيل ويستقل الكل بذاته حتما تصبح كلمة جار طي النسيان وتسقط كلمة الجار من القاموس نهائيا ويضحى كأسطورة أو كحكاية بعض القصص. زهير حطاب