إقامة بعض العبادات في البيت كصلاة النافلة وذكر الله وتلاوة القرآن مدعاة إلى أن يتربى أهل البيت على عبادة الله عز وجل وطاعته سبحانه وتعالى, وللأسف كم تفتقد بيوت المسلمين لهذا الأمر. إنَّك لو أتيت إلى بيوتٍ ِِِِِِِِِِِِِِِِِِ الصُلحاءِ الخالية من المعاصي والفجور دعك مِن بيوت من سواهم وهم عامة وأغلب المسلمين؛ إنَّك لو أتيت إلى بيوت هؤلاء لوجدت أنَّ الأبناء والبنات الذين يعيشون في هذا البيت لا يرون فيه أثرَ الطاعة والعبادة، فإذا كان الرجل الصالح لا يجعل لبيته من صلاته حظاً ولا نصيباً، وتكون نوافله في المسجد، ولا يرى أبناءه منه إلا حديث الدنيا أو الذهاب والإياب, أو الاجتماع على الطعام والمبيت فكيف يتربى أبناءه وأهل بيته على التقوى والصلاح؟ روي أن أحد السلف باع جاريةً له، وكان بيته معموراً بقيام الليل وعبادة الله سبحانه وتعالى, فلما ذهبت وهي ترى بقية الناس من خلال هذا البيت الذي نشأت فيه وهي جارية وأمَة تخدمهم, لما جاء ثلث الليل قامت توقظهم قالوا: لم يحن الفجر بعد. فقالت: أوَمَا تستيقظون إلا للفجر؟! إنَّكم قوم سوء. فلما أصبحت خرجت تبكي إلى سيدها الذي باعها تسأله بالله أن يعيدها إليه, فقد باعها إلى قوم سوء لا يستيقظون إلا مع الفجر, فما عسى هذه الجارية أن تقول لو رأت الكثير من بيوت المسلمين والذين لا يستيقظون حتى مع الفجر؟! وانظر إلى أثر هذا البيت الذي عُمِر بالتقوى والصلاح وعبادة الله سبحانه وتعالى, كيف كان أثره على هذه الجارية التي تخدم فيه حتى بكت, وكرهت أن تفارق البيت الأول, فكيف بأثره على الأبناء والبنات والذرية، إنّه أثرٌ كبير يتركه المرء على أسرته وبيته، غير أنّه من المؤسف حقاً أنَّ أهل المنزل يرون هذا الشاب قد ركب قطار الصالحين وسار في طريق الأخيار العابدين, لكنهم لا يرونه إلا في أوقاتٍ محدودة يتناول معهم الطعام أو يرتاح في المنزل أو منزوياً هنا وهناك, وقَلَّ ما يرونه تالياً لكتاب الله عز وجل, قلما يرونه مصلياً ذاكراً لله عز تعالى, ولهذا نرى أن البعض من الشباب يقل أثره على أهل بيته, والسبب هو إهماله لهذا الأمر، ولو كانت العبادة شأنه والطاعة ديدنه، فَعَمَر أوقاته وبيته بعبادة الله سبحانه وتعالى تلاوةً وصلاةً وذكراً لله عز وجل لترك أثراً بالغاً على أهل بيته, وكم رأينا من بيوت صلُحت واستقام أهلها كبيرهم وصغيرهم بصلاح واحد من الأبناء ربما لم يتجاوز الحلم إلا بقليل.