الإنسان يُحب أن يحيا، ويحب أن تكون أيامه كلها سروراً وسعادة، بل مهما تمادى العمر بالإنسان فإنه يحب أن يصف نفسه بأنه ما زال صغيراً، ويود أن يحقق الآمال الكثيرة، ومن طرائف ذلك أن الحسن البصري رأى في يد أمه كراثة، فقال: يا أمه، ما هذه الشجرة الخبيثة في يدك؟ قالت: يا بني إنك شيخ قد خرفت. قال: يا أمه، أينا أكبر أنا أم أنت؟ وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بأصدق بيان فقال: (يكبر ابن آدم، ويكبر معه اثنان: حب المال، وطول العمر) رواه البخاري ومسلم، فليت الناس انتبهوا لمرور الأيام وانقضاء الأعمار كما انتبهوا إلى طول الآمال ونسج الأحلام، قال الحسن البصري: ابن آدم؛ إنما أنت عدد أيام، إذا انقضى منك يوم مضى بعضُك. فكم من أعمار ضاعت وضاع أصحابها، وكم من أعمار انقضت قبل أن تنقضي آمال أصحابها، وكم من أعمار عاشها أصحابه بغير غاية، وكم من أعمار انقضت في غير طاعة الله تعالى. إن في طول العمر قيامٌ لحجة الله على العبد، كلما امتدت أيامك ازدادت حُجة الله تعالى عليك، كثير أولئك الذين غفلوا عن هذا المعنى وهم في حملة الحياة وصراع البقاء، فأفق يا ابن آدم، فكم حجة لله عليك ظاهرة وأنت غافل، لقد تظاهرت الحجج وتكالبت عليك البراهين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمّر من أمتي سبعين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر). وقال قتادة: اعلموا أن طول العمر حُجة، فنعوذ بالله أن نُعيّر بطول العمر، لقول الله تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) (فاطر:37). وهذا لا يعني أن حجة الله لم تقم على من هو دون السبعين، بل إن من تجاوز الحُلُم كان ذلك أدعى لقيام حجة الله عليه، قال الحسن البصري: لقد أعذر إليك أن عمَّرك أربعين، فبادر المهلة قبل حلول الأجل، أما والله لقد كان الرجل فيما مضى إذا أتت عليه أربعون سنة عاتب نفسه. وقال عمر بن عبد العزيز: لقد تمت حجة الله على ابن الأربعين، فمات بها. فيا من طال بك العمر حاسب النفس ولا تغفل، وأخلص العمل لمن قامت حجته عليك، فكم في طول السنين من برهان قاطع للعذر، طول العمر واعظ لمن اتعظ حقاً، إن في مرور الأيام عظات وعظات لمن تفكر وتدبر، بل لا يمضي يوم من أيام الحياة إلا وفيه درس للعاقلين، فكم في عمرك أيها الإنسان من عظات، ففي طول العمر زيادة في الفهم، فهل استفدت من ذلك؟ وفي طول العمر ضعف ووهن فهل فطنت لذلك؟ وفي طول العمر موت الأقران وفراق الأحباب، فهل حملك موت الأقران على الاستعداد؟ قال أحدهم: من لم يتعظ بثلاث لم يتعظ بشيء: الإسلام، والقرآن، والشيب.