جازية عبشي تنقلت "المواطن" أمس إلى شارع تريبولي أو "طرابلس'' التابع إقليميا للدائرة الإدارية لحسين داي بالجزائر العاصمة، لمشاهدة كيفية العيش في غرفة واحدة عن قرب، فوجدت ما لم يكن في الحسبان، فأول تصور عند دخول باب المبنى، يوحي بأنه مهجور، ولا يمكن أن يكون مسكونا من قبل 14 فرد، إذ اتخذت منه الجرذان أوكارا لها، وحلت الأوساخ مكان طلاء جدرانها، أما الترميم الوحيد الذي يمكن ملاحظته على الشقة فهي دعائم حديدية وضعت في السلالم لمنع تسرب الأمطار إلى الداخل، و الكارثة الكبرى كانت عند تنقلنا بين أرجاء المنزل الضيق الذي يفتقر لأدنى شروط الحياة فالشقة تحوي غرفة واحدة اتخذت للطبخ واستقبال الضيوف و النوم ، و للتكيف مع الوضع المزري وتجاوزه قامت الخالة " خديجة" بكسر نافذة الشقة أو غرفة الضيوف لتضم المساحة المهجورة أمام منزلها و تحولها إلى وكر للطبخ، و أثناء حديثنا مع جيران العائلة و من بينهم غراربي حمودة، أعرب لنا عن استيائه الكبير من اشتداد أزمة السكن الضيق التي طالت لسنوات، حتى صار حلم الارتقاء بلديتهم حلما صعب المنال، خصوصا و أن بلدية حسين داي مستقلة بذاتها ، غير أنها لم تتخط عتبة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وما زاد من استياء السكان هو أن هذه الأخيرة على علم بالمعاناة التي تتخبط فيها عائلة جواح التي طالت لتتجاوز الخمسين عاما، فقد ذهب مسيرون و جاء آخرون دون أن يتغير الوضع المعيشي لهذه الأسرة التي طالت معاناتها، خاصة وان عدد أفرادها المقدر ب 14 فرد لا يتوافق وعدد الغرف المقدرة ب"غرفة واحدة" غطت جميع الغرف لتقدم عدة خدمات من استقبال للضيوف، ونوم و طبخ في نفس الوقت. شقة السيدة عروي خديجة تصلح لأي شيء إلا للسكن بدأت قصة خالتي خديجة بعد أن قدر لها العيش في شقة تحوي 24 فرد، 14 يشكلون زوجها و أبنائها، و10 يمثلون أبناء صهرها و زوجه، وبسبب الظروف المعيشية القاسية و كذا المشاكل اليومية قرر الأخوان جواح تقسيم البيت المكون من غرفتين فقط ليحصل كل منهما على راحة البال......و لكن أي راحة بال؟ تعيش عائلة خالتي خديجة الساكنة مع أبنائها الثلاثة عشر بشقة ذات غرفة واحدة في المبنى رقم10 شارع تريبولي بحسين داي، على غرار عائلة صهرها التي تتخبط في نفس الظروف بنفس الشقة بين أنياب الخطر، خطر المرض خاصة و أن اثنان من الأبناء يعانون من الربو بسبب الرطوبة الخانقة . هذه الظروف التي تعيشها هذه العائلة و التي امتزجت يومياتها بالقلق والخوف الشديد على أطفالها على وجه الخصوص، لم تشفع لها لدى السلطات المحلية على اختلاف درجات مسؤولياتها للتدخل وانتشالها من المعاناة المريرة التي تكابدها، خاصة و أن الوالد أكد لنا معرفة رئيس البلدية بوضعية العائلة التي أمست حديث العام و الخاص، و إطلاعه على الوضع الذي تتخبط فيه، فهو على حد قوله جار لهم يعرفهم حق المعرفة، و يضيف أن بعض العائلات استفادت من سكنات عدة في حين أن هذه العائلة همشت تماما ولم تؤخذ وضعيتها بعين الاعتبار فإحدى الجارات قامت بكراء الشقة التي استفادت منها كون أنها تملك فيلا تأويها كما عبر لنا الجيران عن حيرتهم و دهشتهم المتكررة إزاء استفادة وخروج أسماء بعض العائلات في قائمة المستفيدين و غياب اسم عائلة جواح في هذه القائمة خاصة وان هذه الأخيرة لم يسبق لها و أن استفادت من سكن لائق يأوي أفراد العائلة ويحميهم من التشرد. ولدى حديثنا مع الأم لمحنا قطرات الدموع التي إغرورقت من عيناها المتعبة و التي أثقل عليها الدهر بسبب مشاكله اللامتناهية ليتدخل الوالد قائلا أن عائلته راسلت البلدية عدة مرات من الأجل النظر في وضعيتها إلا أن هذه الأخيرة لم تحرك ساكنا و لم تتخذ الإجراءات اللازمة، مشيرا الى عدم قدرته على طلب السكن التساهمي خاصة وان دخله محدود، منذ عام 1963 و مأساة هذه العائلة متشبثة بها، فحتى الحشرات المختلفة زاحمت هذه العائلة لتتخذ من الغرفة مأوى لها، وبسبب الأوضاع القاسية و الضيق الشديد قرر الابن المبيت في العراء ليجد نفسه سجينا بين القضبان التي إلتمس فيها الرحمة على حد قول الوالدة خاصة وأن المأوى في السجن مضمون و الإقامة به مجانية. و عن كيفية الدراسة و التحضير للامتحانات قالت جواح ليندة في قسم الثانية متوسط أنها تضطر عادة إلى الذهاب إلى بيت زميلاتها من أجل التحضير للاختبارات، أما البنت الصغرى شاهيناز فاختارت الحفظ في الغرفة و احتمال ضجيج إخوتها إلا أن هذا لم يثمر لتتحصل على أدنى معدل "4/10 "، أما البنت الكبرى فقد اتخذت من بيت الخلاء مكانا للسهر من أجل التحضير للامتحانات على حد تعبير امها. و امام هذا الوضع المأساوي تناشد هذه العائلة السلطات المحلية للتدخل سريعا من أجل حل أزمة السكن، ''الأزمة المولدة لمشاكل أخرى'' مثلما قال جميع من تحدثنا إليهم بما فيهم الصغيرة، وايجاد حل عادل للجميع.