كانت الحرارة مازالت على أشدها، في هذا اليوم من شهر جويلية، رغم أن الشمس ودعت النهار منذ ساعة تقريبا، ولم يبق منها غير خيوط احمرار في الشفق ، عندما أقبل صديقي الأستاذ "يتكركر" على حد التعبير الدارج، يسحب نفسه سحبا، كأنما على كاهله أطنان، بل هي أطنان الرطوبة التي تجعل الجسم عاجزا عن الحركة، و العقل كسولا لا يفكر. "جلس والخوف بعينيه" يقرأ علي فنجان الأيام.. قال: سأصوم.. هذه الصائفة! فقلت له: وهل كنت تنوي أن تكسر حرمة رمضان؟ قال: بل أكسر حرمة الحياة الاجتماعية، إن كان لها حرمة! سأعتزل.. سأخلو إلى مكان لا أسمع، ولا أتكلم ولا أرى ما لا أحب، مكانا أغتسل فيه من أدران اليوميات المتعفنة، مكانا أستنشق فيه هواء نقيا يصفي صدري الذي ترتبت عليه طبقات من غبار الأيام ومتاعبها، مكانا لا أسمع فيه غير صوت الطبيعة، عله يعيد التوازن والانسجام لنفسي المهتزة.. سأبحث عن لحظات من الصفاء الذهني .. سأذهب حيث لا أقرأ الجرائد التي لوثت محيطي بالأخبار والحكايات التي لا يمل ولا يكل أبطالها.. سأصوم عن كل شيء، عن الطعام والشراب والكلام.. حتى التفكير.. سأصوم كما لا يصوم الصائمون الذين يحرمون أنفسهم ساعات النهار من الطعام والشراب، بل سأعطل كل قدراتي، وسأمسح ذكرياتي، وأكبح رغباتي .. باختصار شديد.. سأجدد نفسي.. "قاطعته قائلا بشيء من التهكم:.. عندما تجد ذلك المكان.. لا تنس أن تدعو صديقك.. لجلسة صيام!