"أنا عراقية القطر هاشمية الجذور عربية الثقافة وإنسانية الانتماء" من رباعية الكينونة هاته صنعت الشاعرة والكاتبة العراقية لنفسها خلفية تأسيسية لوجودها المزدوج الكياني والثقافي متمرجعة بتراسمات تاريخية وواقعية وهي تخطو بتؤدة صوب غد إبداعي تأمل أن يكون معلما لمن يستلهمون في حراكاتهم أسباب وشروط تحقيق الحضور الموجب في تاريخ بكل إشكالاته الإنسانية بوصف الإنسان صانع هذا التاريخ ومحوره في ذات الآن. "الأمة العربية": نود سؤالك في البدء عن بداياتك مع حرفة الكتابة؟ نور ضياء : وأنا أمرح في حوض البراءة تفاعلت في قضايا الإنسان الكبرى ربما كان ذلك بسبب استثنائية الزمان والمكان العراقيين في هذا الوجود فحملت هواجسهما في قريحتي الصغيرة وكانت حملا ثقيلا بالنظر إلى سني وهل ثمة ما هوأثقل حملا من الكلمة التي أعجزت الجبال حتى، لكنها حملتني بأدراجها إلى أعالي السلم حيث أنا اليوم أرنو إلى غد آٍخر وأكبر بحول الله. فمن كانت الأولى الكلمة الشعرية أم النثرية؟ الشعر في الإنسان العربي فطري تلقيا أو صناعة وشاعرية تراثنا شملت التاريخ والجغرافيا فمهما اتسعت نطاقات العربي الوجودية في الأزمنة والأمكنة إلا أن شبقه بشهوة الكلمة الجميلة وترانيمها سرعان ما توقظ فيه دوما حس الانتماء لذا أحسب دوما الشعر هوية فطرية للعربي، من هنا أستطيع القول أنني بدأت فطريا بالشعر وهذا ببساطة السبب وهوكوني عربية. لكن العائد إلى منتوجك الشعري سرعان ما يكتشف ذاك الحضور القوي للشعر الشعبي فما مرد ذلك؟ تحدثت سابقا عن اتساع مديات المكان والزمان في وجود العربي ومن خطب كهذا اتساع أن يثري محفله الشعري والأدبي بكنوز الخصوصيات المتولدة عن تباعد واتساع تلكم المديات فأنا نشأت على خصوصية مكاني الثقافية كخليجية رضعت من لبان أمومتي الانتمائية وشغفتني التصاوير الفنية للهجة الخليج حبا وطربا وهي تراقص ما حولها في وجودها الصغير في البيت العربي الكبير.. ألا تخشين كعربية مجبولة كأي عربي على حلم الوحدة والتوحد أن يؤثر قطرية أو دعينا نقل جهوية اللهجة على مسار تحقيق هذا الحلم؟ كلا، لست أخشى ذلك، الخصوصيات الفارقة تظل دوما في حجمها الحقيقي أي جزئيات من الكل ولا تستطيع وما ينبغي لها أن تحل محل الكل، وقد يعتريني لحظات من وأنا أستمع إلى شعر عربي بلهجة أخرى بعض السهو في التلقي الناجمة عن اختلاف اللهجة لكن سرعان تبقيني الموسيقى النظم في علياء المتعة الروحية التي يجديها اللسان العربي أنى حل وارتحل. لندع الشعر جانيا قليلا ونتقحم عالم النثر، كيف قدمت إلى صناعة الكلمة المنثورة؟ ليس بمقدور المرء أن يحدد بدقائق الكلام معالم قدومه إلى عالم الكتابة والصناعة اللفظية، فإن أنت سألت كاتب عن هذا فستكون كمن يسأله عن لحظة ولادته الأولى وانبثاقه في هذا الوجود الحي، فهي تنشأ في لاوعي صاحبها مثلما تنشأ فيه الحياة أولى مرة وهويخرج إلى الوجود، كانت البداية خربشات ثم استحالت إلى موضوعات ثم تطورت إلى سجالات.. سجالات؟..ما طبيعة السجالات التي تثيرها عادة كتاباتك؟ أولم توصف الكلمة بكونها أخطر سلاح في الوجود؟ فهي بذلك إما مميتة أومحيية، ومثلما يقتل ويقتل الكثيرون بالكلمة فإن الكثيرين يحيون ويحيون بها، ولبن هذا وذاك يبرز تجار الكلمة مثل تجار السلاح يسعون للإفساد في الأرض بنشر المغالطات والافتراء الافتئات على الإنسانيين من أصحاب الكلمة الطيبة. من ذلك ما حدث معك بخصوص ما كتبتيه عن الملك عبد الله بن عبد العزيز؟ أجل ناصبوا الكمائن في سبل سريات الكلمة الطيبة لا يتوانون عن ممارسة كل صعلكتهم ويرمون يشتى قذارات وقاذورات أقلامهم المسمومة من لا يشاطرهم في جنونهم، فليس أسهل عليهم من أن يرمونك بالتزلف لحاكم أومسؤول حتى لو مارست ما تمليه عليك خصوصيتك الانسانية وتحق الحق ممن تبذر منه كلمة أوفعل الحق مهما اختلف معه الناس أول اختلف هو معهم. في هذا السياق غير الطبيعي في علاقة السلطة بالمثقف كيف ترين وضع الكاتب في عالمنا العربي اليوم؟ الكاتب في نظري رأس النحبة والنخبة رأس المجتمع وهي سلطته المعنوية والروحية الأولى قبل أية سلطة من السلط البشرية، وما دام الأمر كذلك فعلى المثقف أن ينتج لذاته نهجا نقديا يجعله يستقيم في رسالته مثلما يطالب باستقامة السلط البشرية وخصوصا منها السياسية.. هل من توضيح أكثر؟ المجتمع محكوم بأن ينقاد للسلطة السياسية إما طوعا أوكرها لكن يصعب على سلطة المثقف اقتياد هذا المجتمع ما لم تكن هاته السلطة المعنوية دقيقة وجادة ورسالية في مزاولتها لمسؤوليتها والتزاماتها المعنوية في ريادة هذا المجتمع وهوما نجح فيه الغرب بشكل كبير حيث غدا المثقف في قيمته المجتمعية أسمى بكثير من قيمة السياسي أول المسؤول السياسي أوالحاكم الأول للبلاد حتى! إن على المثقف أن بيني لنفسه قصرا يستطيع تحت ظله أن يشرعن وجوده أولا، ومن ثم يزاول مهمته بكل حرية وآمان وهذا ثانيا، والقصر الذي نعنيه هما هوالمجتمع المدني القوي الذي يقوم على قاعدة برد الاعتبار لمؤسسات المجتمع وتفعيل دورها وطبعا يصعب في مجتمعاتنا المتخلفة والرازحة تحت وطأة الفقر والأمية في أكثر من قطر أن بصل فيها المثقف إلى بناء قصره ذلك. لكن ألا ترين أن الكاتب بوصفة درة الفئة المثقفة لدينا قد استنكف عن تأدية مهامه وراح يتعالي عن المجتمع ويستقيل من مهمته الريادية في مجتمعه التي تحدثت عنها آنفا؟ أتفق معك في هذا الطرح والغريب في الأمر أن ترى هذا الكاتب يتعالى عن محيطه وهو متأت عنه في كامل كينونته وبفضل أشياء هذا المجتمع الحياتية صنع عوالمه الرمزية التي صنعت منه نجما فلربما، وكل ذلك من خير المجتمع.. ربما كان هذا سبب عزوفك عن طبع إنتاجك المعرفي فكرا أم شعرا أم نثر والاكتفاء بنشره في المواقع المختصة بالنت؟ ليس بسبب هذا بالضبط، فأنا أرفض رفضا قاطعا أن أشتري لقب الكاتبة عبر دخول رديء إلى حظيرة أهل القلم والكتابة.. ماذا تقصدين بالدخول الرديء؟ ملء دفتي كتاب بعادي الكلام والنظريات المجترة والأفكار الجاهزة ثم إخراجه إلى ساحة المقروئية العربية بقصد شراء صفة وميسم الكاتب، وأظن أن هكذا حال خلف تداعيات أخطر من الخطر ذاته على تشكلات الوجه الحضاري للمجتمع العربي؟ كيف ذلك؟ الكتابة والقراءة هما المرآة العاكسة بحق لحال المخزون الفكري والثقافي لأي من المجتمعات ومادام الأمر كذالك فمن السهولة بمكان معرفة القيمة الحقيقية لأي مجتمع وطبعا مجتمعنا العربي المعتور في منتوج نخبه خصوصا منها نخبته الكاتبة تعكس أوضاعه الفكرية والثقافية بحق حالة اليتم القيادي النخبوي الذي يعيشه. حتى نغدوا على بينة من الأمر هل ترين مسؤولية المثقف والكاتب أجسم وأعظم من مسؤلية الحاكم في ما صار إليه المجتمع العربي؟ كلا، لكل نصيب من المسؤولية وعلى المجتمع بأكمله أن يعيد صياغة نفسه بجد وصدقية وفق منهج التغيير الذي جعلته خلفيتنا الفكرية والثقافية شرطا تاريخيا لتغيير ما بالحال وما بالوضع ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) التغيير الاجتماعي هومناط كل القوى الحية بالمجتمع لقد فقدنا السيطرة على واقعنا بفعل اختلال في الفهوم المتعلقة بطبيعة الأدوار وصار الكل يمتهن دور الكل والكل ينتقد الكل لكن وعلى أرض الواقع لا أحد أدى مهمته على أكمل وجه. نقد المثقف والسلطة بات من أعوص الممارسات الفكرية في ظل ما ذكرت من اختلالات قائمة في الفهوم المتعلقة بالأدوار، فهل كان لتكوينك في العلوم السياسية دور في هذا؟ ربما كان له جانب في ذلك لكن تشخيص حال تلكم الاختلالات وتداعياتها لا يستحق مستوى كبير من المعرفة لدى المرء العربي اليوم، بيد أن الإشكال القائم بحق والجاثم على صدر حلم الجميع هوكيف نتزحزح كمثقفين شيئا ما عن دوائرنا النقدية النظرية الخيالية مع ما يلازمها من تمترس أيديولوجي كي ننتقل إلى مجال تفعيل القيم والأفكار. وعلام تراك تحضين في هذه النقطة بالذات؟ على الجانب الإنساني وصرف النظر في ذلك عن كل الاختلافات العرقية والدينية، وهذا ما أسعى إليه من خلال بعض الاهتمامات التي تحسسني وأنا أمارسها أني حقا مفيدة للآخر خارج نطاق الكتابة والمتعة اللفظية شعرا كانت أم نثرا. وخارج هاته المتعة أنت مختصة في مجال الاعلام الآلي؟ أجل درست فور عودتي آخر مرة إلى العراق هندسة الحاسوب لكن تظل الكتابة ببعدها الإنساني والفني عشقي واهتمامي، فحتى تكويني العالي في العلوم السياسية الذي حصلت فيه على شهادة عليا من الجامعة البريطانية ببيروت لم يعدو في دائرة اهتمامي كونه أداة لمزاولة الشأن الوظيفي الحياتي وتحصيل العيش الكريم. ارتزاق الكاتب العربي من أبداعاته كما هو الحال في الغرب لا يزال لم يبرح موضع الحلم؟ أجل مع كامل الأسف، فلم تتأسس لدينا سوق ثقافية قوية تيح للكاتب التفرغ لمجال الكتابة وهوما من شأنه أيرفع من مستوى منتوجه كما ونوع كما يرتقي بمستوى نموالثقافة والمعرفة بالمجتمع. وما مرد هاته العورة الحضارية إن جاز وصفها كذلك؟ نعم هي كذلك، ومردها بالأساس ضعف نسبة المقروئية في مجتمعنا العربي الناجمة عن الجهل بفعل القراءة داخل الأوساط المتعلمة فضلا عن الشريحة الأمية التي لازالت رقعتها واسعة مع الأسف. كلمة أخيرة الأستاذة نور ضياء الهاشمي السامرائي أشكركم جزيل الشكر أخي على أنكم أعطيتموني هاته الفرصة للحديث عن واقع الأمة الأدبي والمعرفي من خلال تجربتي المتواضعة وصلتموني بالأحباب في الضفة الأخرى من وطننا العربي الكبير المغرب العربي الحبيب وتحية خاصة إلى أدباء الجزائر ومثقفيها وجميع شعبها.