"نحن من آدم وآدم من تراب"، لا يختلف في هذا الأمر اثنان ولا يتناطح فيه "تيسان"، فهذا الأمر مسلّم به بين البشر، مهما كانت ديانتهم وأعرافهم من أقصى الصين إلى الشعوب البدائية في أدغال إفريقيا والأمازون. لكن بعض الناس عندنا لم يعد يعجبهم خلقة الطين، فاعتقدوا أنهم مختلفين عن بني آدم، فاختصّوا لأنفسهم محميّة في أقصى المدينة يطلون منها على البشر، نحن خليقة الطين لم تعد تهم بطاقة هويتنا الوطنية، لأن غيرنا له بطاقتان واحدة وطنية وأخرى فرنسية، لذا هم لم يُخلقوا من طين.. نحن بشر تسري فينا دماء، وفيهم يسري ربما الماء!! فهم غير البشر، فالبشر من طين والطين من تراب وماء.. هم لهم كلاب تُعالج في أرقى المشافي ويُصرف على أكلها وصحتها الشيء الفلاني وأطفال الطين يموتون من سوء التغذية. امتيازات خيالية تجعل نوعية من المخلوقات تشبهنا في الشكل وتختلف عنا في كل شيء، فهم لا يعانون من البطالة وفي عالمهم لا يوجد "حراڤة" لا حرّ، لا قرّ ولا غلاء المعيشة.. عندهم كل شيء يحصلون عليه حين يريدون في صورة مقلوبة تضحك الباكي، وتبكي الضاحك، فالمحتاج يُسلب منه ما بقي له من متاع والمُترف من التخمة يُتخم حتى الانفجار، في تناقض صارخ لأبسط قواعد الإنسانية، إن كانوا فعلا يؤمنون بالإنسان، يطلون علينا من أحزابهم، أو من وزاراتهم، أو من أي شيء هم فيه ولو من خلف حجاب، ليخطبوا فينا خُطبًا، لسيت عصماء، بدايتها حب الوطن من الإيمان، ونهايتها المجد والخلود لشهدائنا الأبرار وبين بداية الخطاب ونهايته جثث "حراڤة" وبؤس وشقاء وفقراء على رصيف الحياة يتفرجون على أحلام معلّقة الى إشعار ليس قريب، رغم أننا كلنا من تراب وماء. فيا من تطلون على خلق الله من "علياء السماء" نحن بشر نشرب الماء ونتنفّس الهواء، فهل حدث شيء في الكون أصاب هذا الوطن فجعل الفروق في نظركم لم تعد في مستوى المناصب ولا في العرف، بل حتى في التركيبة الجينية للبشر التي خلقتم منها وإن كان هذا هو الواقع فالأكيد أننا من طين والمؤكد أنكم من "دال دوصول".